للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَبِخِلَافِ الْمُبَايَعَةِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ حَقَ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّورَةِ، وَفِي حَالَةِ الصِّحَّةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمَالِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِسَابِ فَيَتَحَقَّقُ التَّثْمِيرُ، وَهَذِهِ حَالَةُ الْعَجْزِ وَحَالَتَا الْمَرَضِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ حَالَةُ الْحَجْرِ، بِخِلَافِ حَالَتَيِ الصِّحَّةِ

إِلَى ثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ. (وَهُوَ)، أَيِ: النِّكَاحُ. (بِمَهْرِ الْمِثْلِ) هَذِهِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ: يَعْنِي أَنَّ النِّكَاحَ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ حَالَ كَوْنِهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَبَاطِلَةٌ وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ النِّكَاحَ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ مُطْلَقًا.

أَقُولُ: كَوْنُ النِّكَاحِ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْحَوَائِجَ الْأَصْلِيَّةَ مَا يَكُونُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْإِنْسَانِ، وَالنِّكَاحِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ لِإِمْكَانِ حُصُولِهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ تَزَوَّجَ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ بِسَبَبِ أَنَّ لَهُ نِسَاءً جِوَارِيَ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يُولَدُ لَهُ عَادَةً جَازَ، وَهِيَ تُشَارِكُ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ مَعَ أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَجَاءُ بَقَاءِ النَّسْلِ، وَلَا احْتِيَاجُ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ. قُلْنَا: النِّكَاحُ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ مِنْ مَصَالِحِ الْمَعِيشَةِ، وَالْعِبْرَةُ لِأَصْلِ الْوَضْعِ لَا لِلْحَالِ فَإِنَّ الْحَالَ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا لِيُبْتَنَى الْأَمْرُ عَلَيْهَا، إِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَسْرَارِ، وَذَكَرَ فِي الشُّرُوحِ (وَبِخِلَافِ الْمُبَايَعَةِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَشْهَدَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ إِنْشَاءِ الْمُبَايِعَةِ: يَعْنِي: وَلَا يَلْزَمُنَا الْمُبَايَعَةُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ؛ (لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّورَةِ)، وَالْمَالِيَّةُ بَاقِيَةٌ فِي الْمُبَايَعَةِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ فَاتَتِ الصُّورَةُ، فَلَمْ يَكُنْ فِي إِنْشَاءِ ذَلِكَ إِبْطَالُ شَيْءٍ، مِنْ حَقِّهِمْ بَلْ فِيهِ تَحْوِيلُ حَقِّهِمْ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى مَحَلٍّ يُعَدُّ لَهُ، وَلِلْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ، وَلَمَا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ: لَوْ تَعَلَقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِ الْمَدْيُونِ بِطَلَ إِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ حَالَةَ الصِّحَّةِ أَيْضًا؛ لَأَنَّ الْإِقْرَارَ الْمُتَضَمِّنَ لِإِبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، كَمَا مَرَّ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبَاطِلٍ بِالْإِجْمَاعِ، أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَفِي حَالَةِ الصِّحَّةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ) حَقُّ الْغُرَمَاءِ (بِالْمَالِ)، أَيْ: بِمَالِ الْمَدْيُونِ (لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِسَابِ)، أَيْ: لِقُدْرَةِ الْمَدْيُونِ عَلَى الِاكْتِسَابِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، (فَيَتَحَقَّقُ التَّثْمِيرُ)، أَيْ: تَثْمِيرُ الْمَالِ وَهُوَ تَكْثِيرُهُ، يُقَالُ: ثَمَّرَ اللَّهُ مَالَهُ، أَيْ: كَثَّرَهُ فَلَمْ تَقَعِ الْحَاجَةُ إِلَى تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ.

(وَهَذِهِ)، أَيْ: حَالَةُ الْمَرَضِ (حَالَةُ الْعَجْزِ) عَنْ الِاكْتِسَابِ، فَيَتَعَلَّقُ حَقُّهُمْ بِمَالِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَذَرًا عَنِ التَّوَى، وَلَمَا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ: سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنْ إِذَا أَقَرَّ فِي الْمَرَضِ، ثَانِيًا: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ بِمَالِهِ، كَمَا لَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُ فِي الْمَرَضِ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِذَلِكَ، أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَحَالَتَا الْمَرَضِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ)، أَيْ: حَالَةُ أَوَّلِ الْمَرَضِ وَحَالَةُ آخِرِهِ بَعْدَ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ الْمَوْتُ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ؛ (لِأَنَّهُ)، أَيْ: لِأَنَّ الْمَرَضَ (حَالَةُ الْحَجْرِ)؛ وَلِهَذَا يُمْنَعُ عَنِ التَّبَرُّعِ فَكَانَ الْإِقْرَارَانِ فِي الْمَرَضِ بِمَنْزِلَةِ إِقْرَارٍ وَاحِدٍ، كَمَا أَنَّ حَالَتَيِ الصِّحَّةِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَيُعْتَبَرُ الْإِقْرَارَانِ جَمِيعًا. (بِخِلَافِ حَالَتَيِ الصِّحَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>