إِلَّا أَنَّ هَذَا التَّعَلُّقَ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِ الْأَجْنَبِيِّ لِحَاجَتِهِ إِلَى الْمُعَامَلَةِ فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوِ انْحَجَرَ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالْمَرَضِ يَمْتَنِعُ النَّاسُ عَنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَهُ، وَقَلَّمَا تَقَعُ الْمُعَامَلَةُ مَعَ الْوَارِثِ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِ الْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ آخَرَ لِحَاجَتِهِ أَيْضًا، ثُمَّ هَذَا التَّعَلُّقُ حَقُ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا صَدَّقُوهُ فَقَدْ أَبْطَلُوهُ فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ) لِمَا بَيَّنَّا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ إِلَّا فِي الثُّلُثِ
بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّ جَمِيعِهِمْ بِهِ، فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّ الْبَقِيَّةِ كَالْوَصِيَّةِ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّهِمْ بِالْإِقْرَارِ لِوَرَثَتِهِ، كَمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِالْوَصِيَّةِ لَهُمْ، انْتَهَى، تَبَصَّرْ.
(إِلَّا أَنَّ هَذَا التَّعَلُّقَ)، أَيْ: تُعَلِّقُ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ (لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ)؛ حَيْثُ لَمْ يُمْنَعْ إِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِأَجْنَبِيٍّ (لِحَاجَتِهِ)، أَيْ: لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ (إِلَى الْمُعَامَلَةِ) مَعَ النَّاسِ (فِي الصِّحَّةِ)، أَيْ: فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ إِقْرَارُهُ بِالْكُلِّيَّةِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ لَمْ تُقْضَ حَاجَتُهُ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ؛ (لِأَنَّهُ لَوِ انْحَجَرَ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالْمَرَضِ يَمْتَنِعُ النَّاسُ عَنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَهُ) فِي الصِّحَّةِ بِنَاءً عَلَى جَوَازٍ أَنْ يَعْرِضَهُ الْمَرَضُ، فَتَخْتَلُّ مَصَالِحُهُ فَيَقَعُ فِي الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا. وَلَمَا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ: الْحَاجَةُ مَوْجُودَةٌ فِي حَقِّ الْوَارِثِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَمَا يُعَامَلُونَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ يُعَامَلُونَ مَعَ الْوَارِثِ، أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَقَلَّمَا تَقَعُ الْمُعَامَلَةُ مَعَ الْوَارِثِ)؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ لِلِاسْتِرْبَاحِ وَلَا اسْتِرْبَاحَ مَعَ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَيَا مِنَ الْمُمَاكَسَةِ مَعَهُ، فَلَا يُحَصَّلُ الرِّبْحَ.
(وَلَمْ يَظْهَرْ)، أَيْ: وَكَذَا لَمْ يَظْهَرْ هَذَا التَّعَلُّقُ (فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ آخَرَ لِحَاجَتِهِ أَيْضًا)، أَيْ: لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ إِلَى الْإِقْرَارِ بِالْوَارِثِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى إِبْقَاءِ نَسْلِهِ فَلَا يَنْحَجِرُ عَنْهُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، (ثُمَّ هَذَا التَّعَلُّقُ)، أَيْ: تَعَلُّقُ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِهِ (حَقُّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا صَدَّقُوهُ)، أَيْ: إِذَا صَدَّقَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ الْمُقِرَّ لِوَارِثٍ، (فَقَدْ أَبْطَلُوهُ)، أَيْ: أَبْطَلُوا حَقَّهُمْ، (فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ)، وَهَذَا الْكَلَامُ مِنَ الْمُصَنِّفِ بَيَانٌ لِوَجْهِ الِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ: إِلَّا أَنَّ تَصَدِّقَهُ فِيهِ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ.
(وَإِذَا أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ لِمَا بَيَّنَّا) إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَلِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ، وَإِلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَوِ انْحَجَرَ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالْمَرَضِ يَمْتَنِعُ النَّاسُ عَنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَهُ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. وَفِي الْعِنَايَةِ وَكَانَتِ الْمَسْأَلَةُ مَعْلُومَةً مِمَّا تَقَدَّمَ إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهَا تَمْهِيدًا لِذِكْرِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ، (وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ إِلَّا فِي الثُّلُثِ)، وَهُوَ مَذْهَبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute