قَالَ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ مِنْ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ نَحْوَ الْأَخِ وَالْعَمِّ لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِي النَّسَبِ) لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ (فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ فَهُوَ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنَ الْمُقَرِّ لَهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ لَا يُزَاحِمُ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ اسْتَحَقَّ الْمُقَرُّ لَهُ مِيرَاثَهُ) لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِهِ فَيَسْتَحِقَّ جَمِيعَ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَصِيَّةً حَقِيقَةً حَتَّى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ خَاصَّةً، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ وَصِيَّةً لَاشْتَرَكَا نِصْفَيْنِ لَكِنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَخٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُقِرُّ وِرَاثَتَهُ ثُمَّ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ لِإِنْسَانٍ كَانَ مَالُهُ لِلْمُوصَى لَهُ؛ وَلَوْ لَمْ يُوصِ لِأَحَدٍ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ رُجُوعَهُ
(قَالَ)، أَيْ: الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ مِنْ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ) الصُّلْبِيِّ، (نَحْوَ الْأَخِ وَالْعَمِّ)، وَنَحْوَ الْجَدِّ وَابْنِ الِابْنِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا أَيْضًا فِي الْكَافِي (لَا يُقْبَلُ إِقْرَارهُ فِي النَّسَبِ)، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْبَيِّنَةِ، كَمَا ذَكَرَ فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا؛ (لِأَنَّ فِيهِ)، أَيْ: فِي هَذَا الْإِقْرَارِ (حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ)؛ فَإِنَّ فِي الْإِقْرَارِ بِالْأَخِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْأَبِ؛ إِذِ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْأُخُوَّةِ مَا لَمْ يَكُنِ ابْنَ أَبِي الْمُقِرِّ لَا يَكُونُ أَخًا لَهُ، وَفِي الْإِقْرَارِ بِالْعَمِّ حَمَلُ النَّسَبِ عَلَى الْجَدِّ؛ إِذِ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْعُمُومَةِ مَا لَمْ يَكُنِ ابْنَ جَدِّ الْمُقِرِّ لَا يَكُونُ عَمًّا لَهُ، وَفِي الْإِقْرَارِ بِابْنِ الِابْنِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الِابْنِ؛ إِذِ الْمُقَرُّ لَهُ لَا يَكُونُ ابْنَ ابْنِ الْمُقِرِّ مَا لَمْ يَثْبُتْ بُنُوَّتُهُ مِنِ ابْنِ الْمُقِرِّ، وَفِي الْإِقْرَارِ بِالْجَدِّ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْأَبِ؛ إِذِ الْمُقَرُّ لَهُ لَا يَكُونُ جَدَّ الْمُقِرِّ مَا لَمْ يَثْبُتْ أُبُوَّتُهُ مِنْ أَبِيهِ.
(فَإِنْ كَانَ لَهُ)، أَيْ: لِلْمُقِرِّ - بِنَحْوِ مَا ذَكَرَ - (وَارِثٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبٌ) كَأَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ، (أَوْ بَعِيدٌ) كَذَوِي الْأَرْحَامِ، (فَهُوَ)، أَيِ: الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ (أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنَ الْمُقَرِّ لَهُ) حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ، فَالْإِرْثُ لِلْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ؛ (لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ)، أَيْ: نَسَبُ الْمُقَرِّ لَهُ. (مِنْهُ)، أَيْ: مِنَ الْمُقَرِّ (لَا يُزَاحِمُ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ).
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ بِالْفَاءِ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِي النَّسَبِ وَقْعَ فِي مَحَزِّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا نَتِيجَةُ ذَلِكَ، فَصُورَةُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَخٍ لَهُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ أَوْ بِابْنِ ابْنٍ لَهُ، ثُمَّ مَاتَ وَلَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ أَوْ مَوْلَى مُوَالَاةٍ، فَالْمِيرَاثُ لِلْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ أَوِ الْمَوْلَى، وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُقَرُّ لَهُ مَعَ وَارِثٍ مَعْرُوفٍ، انْتَهَى.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ)، أَيْ: لِمُقِرٍّ (وَارِثٌ) مَعْرُوفٌ (اسْتَحَقَّ الْمُقَرُّ لَهُ مِيرَاثَهُ)؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ بِالنَّسَبِ وَبِاسْتِحْقَاقِ مَالِهِ بَعْدَهُ، وَهُوَ فِي الْأَوَّلِ مُقِرٌّ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ إِذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَفَى الثَّانِي مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ؛ (لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ، أَلَا يَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِهِ)، أَيْ: بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَقَدْ جَعَلَ مَالَهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِإِقْرَارِهِ بِاسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ بَعْدَهُ، (فَيَسْتَحِقُّ) الْمُقَرُّ لَهُ (جَمِيعَ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) مِنَ الْمُقِرِّ؛ (لِمَا فِيهِ)، أَيْ: فِي الْإِقْرَارِ الْمَزْبُورِ (مِنْ حَمْلِ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ)، أَيْ: هَذِهِ الصُّورَةُ أَوِ الْقَضِيَّةُ: يَعْنِي الْإِقْرَارَ الْمَذْكُورَ (وَصِيَّةً حَقِيقَةً)
أَوْضَحَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (حَتَّى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلْثُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ)، يَعْنِي: الْإِقْرَارُ بِالْأَخِ (وَصِيَّةً لَاشْتَرَكَا)، أَيِ: الْأَخَ وَالْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ (نِصْفَيْنِ، لَكِنَّهُ)، اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَصِيَّةً حَقِيقَةً، أَيْ: لَكِنَّ الْإِقْرَارَ الْمَذْكُورَ (بِمَنْزِلَتِهِ)، أَيْ: بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِتَأْوِيلِ الْإِيصَاءِ، وَلَعَمْرِي إِنَّ الْمُصَنِّفَ يُفْرِطُ فِي الْمُسَاهَلَةِ فِي أَمْرِ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ فِي كِتَابِهِ هَذَا، كَمَا تَرَى، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَشَارَ فِيمَا مَرَّ آنِفًا إِلَى الْإِقْرَارِ بِلَفْظَةِ هَذِهِ، وَأَرْجَعَ هَاهُنَا إِلَى الْوَصِيَّةِ ضَمِيرَ الْمُذَكَّرِ، (حَتَّى لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَخٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُقِرُّ وِرَاثَتَهُ، ثُمَّ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ لِإِنْسَانٍ) وَمَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ. (كَانَ مَالُهُ) جَمِيعًا. (لِلْمُوصَى لَهُ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ لِأَحَدٍ كَانَ) مَالُهُ. (لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ)، أَيْ: رُجُوعَ الْمُقِرِّ الْمَزْبُورِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute