صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ فَبَطَلَ إِقْرَارُهُ.
قَالَ: (وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ أَخِيهِ)؛ لِمَا بَيَّنَّا (وَيُشَارِكُهُ فِي الْإِرْثِ)؛ لِأَنَّ إِقْرَارَهُ تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ: حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْمَالِ وَلَهُ فِيهِ وِلَايَةٌ فَيَثْبُتُ كَالْمُشْتَرِي، وَإِذَا أَقَرَّ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعِتْقِ لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، وَلَكِنَّهُ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ
(صَحِيحٌ)، يَعْنِي: أَنَّ إِنْكَارَهُ رُجُوعٌ، وَالرُّجُوعُ عَنْ مِثْلِ هَذَا صَحِيحٌ بِمَنْزِلَةِ الرُّجُوعِ عَنِ الْوَصِيَّةِ؛ (لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ فَبَطَلَ إِقْرَارُهُ)، وَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ الرُّجُوعُ قَبْلَ ثُبُوتِ النَّسَبِ، كَمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ لِكَوْنِهِ تَحْمِيلًا عَلَى الْغَيْرِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
وَأَمَّا إِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ.
(قَالَ)، أَيْ: الْقُدُورِيَّ فِي مُخْتَصَرِهِ: (وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ أَخِيهِ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، (وَيُشَارِكُهُ فِي الْإِرْثِ)، أَيْ: يُشَارِكُ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْأُخُوَّةِ الْمُقِرَّ فِي الْإِرْثِ مِنْ أَبِيهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُشَارِكُهُ فِي الْإِرْثِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي تَعْلِيلِ الْمُشَارَكَةِ: (لِأَنَّ إِقْرَارَهُ تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ) أَحَدُهُمَا: (حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ)، أَيْ: لِلْمُقِرِّ. (عَلَيْهِ)، أَيْ: عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يَثْبُتُ. (وَ) الثَّانِي: (الِاشْتِرَاكُ فِي الْمَالِ وَلَهُ فِيهِ وِلَايَةٌ)؛ لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ، (فَيَثْبُتُ) وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ، (كَالْمُشْتَرِي إِذَا أَقَرَّ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعِتْقِ)، أَيْ: بِعِتْقِ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ الْبَائِعِ (لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ) فِي حَقِّ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ (حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ)؛ لِكَوْنِهِ إِقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ، (وَلَكِنَّهُ يُقْبَلُ) إِقْرَارُهُ (فِي حَقِّ الْعِتْقِ)، حَتَّى يَعْتِقَ عَلَيْهِ مَا اشْتَرَاهُ؛ لِكَوْنِهِ إِقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ فِي حَقِّ ذَلِكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا قُبِلَ إِقْرُارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يَسْتَحِقُّ الْمُقَرُّ لَهُ نِصْفَ نَصِيبِ الْمُقِرِّ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى يُجْعَلُ إِقْرَارُهُ شَائِعًا فِي التَّرِكَةِ، فَيُعْطِي الْمُقِرُّ مِنْ نَصِيبِهِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ مَاتَ أَبُوهُ أَخٌ مَعْرُوفٌ، فَأَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ فَكَذَّبَهُ أَخُوهُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ، أَعْطَى الْمُقِرُّ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُمَا ثُلْثُ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِثُلْثٍ شَائِعٍ فِي النِّصْفَيْنِ فَيَنْفُذُ إِقْرَارُهُ فِي حِصَّتِهِ، وَبَطَلَ مَا كَانَ فِي حِصَّةِ أَخِيهِ، فَيَكُونُ لَهُ ثُلْثُ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ سُدْسُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَالسُّدْسُ الْآخَرُ فِي نَصِيبِ أَخِيهِ فَبَطَلَ إِقْرَارُهُ فِيهِ.
وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّهُ يُسَاوِيهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمُنْكِرُ ظَالِمٌ بِإِنْكَارِهِ، فَيُجْعَلُ مَا فِي يَدِهِ كَالْهَالِكِ فَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ تَأْخُذُ ثُلْثَ مَا فِي يَدِهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُمَا تَأْخُذُ خُمُسَهُ، وَلَوْ أَقَرَّ ابْنٌ وَبِنْتٌ بِأَخٍ وَكَذَّبَهُمَا ابْنٌ آخَرُ مَعْرُوفٌ يُقَسَّمُ نَصِيبُ الْمُقِرِّينَ عِنْدَنَا أَخْمَاسًا، وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا، وَالتَّخْرِيجُ ظَاهِرٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِامْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِيهِ أَخَذَتْ ثُمُنَ مَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِجَدَّةٍ صَحِيحَةٍ أَخَذَتْ سُدْسَ مَا فِي يَدِهِ فَيُعَامَلُ فِيمَا فِي يَدِهِ، كَمَا يُعَامَلُ لَوْ ثَبَتَ مَا أَقَرَّ بِهِ وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ بِامْرَأَةٍ أَنَّهُمَا زَوْجَةُ أَبِيهِمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ أَخَذَتْ تُسْعَيْ مَا فِي يَدِهِ عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى لَهُمَا ثُمُنُ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ ثُمُنَ مَا فِي يَدَيْ الِابْنَيْنِ، إِلَّا أَنَّ إِقْرَارَهُ صَحَّ فِيمَا بِيَدِ نَفْسِهِ وَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ، وَإِذَا صَحَّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يُعْطِيهَا ثُمُنَ مَا فِي يَدِهِ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ زَعْمَ الْمُقِرِّ أَنَّ التَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا لِلزَّوْجَةِ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ ابْنٍ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ، فَلَمَّا أَخَذَ أَخُوهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِمَا صَارَ ذَلِكَ كَالْهَالِكِ، فَيُقَسَّمُ النِّصْفُ الَّذِي فِي يَدِ الْمُقِرِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا