قَالَ: (وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبُوهُ قَبَضَ مِنْهَا خَمْسِينَ لَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ)؛ لِأَنَّ هَذَا إِقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ، فَإِذَا كَذَّبَهُ أَخُوهُ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ نَصِيبَهُ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى كَوْنِ الْمَقْبُوضِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا،
عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا، وَيُجْعَلُ مَا يَحْصُلُ لِلْمُقِرِّ وَهُوَ سَبْعَةٌ عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ. فَتَضْرِبُ هِيَ بِقَدْرِ حَقِّهَا وَهُوَ سَهْمَانِ، وَيَضْرِبُ الْمُقِرُّ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَهُوَ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْبَدَائِعِ وَالْإِيضَاحِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ بِإِقْرَارِ وَارِثٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يُثْبِتُ بِإِقْرَارِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ مِنَ الْوَرَثَةِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ وَالشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَنْ يَحُوزُ الْمِيرَاثَ يُثْبِتُ النَّسَبَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اعْتِبَارًا لِلْإِقْرَارِ بِالشَّهَادَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ، وَتَوْضِيحُهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْإِقْرَارَ، بِنَحْوِ الْأُخُوَّةِ إِقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَكَانَ شَهَادَةً، وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي النَّسَبِ مَقْبُولَةٌ.
(قَالَ)، أَيْ: مُحَمَّدٌ ﵀ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: (وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ، وَلَهُ)، أَيْ: وَلِلْمَيِّتِ (عَلَى آخَرَ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا)، أَيْ: أَحَدُ الِابْنَيْنِ (أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ مِنْهَا)، أَيْ: مِنَ الْمِائَةِ (خَمْسِينَ) دِرْهَمًا (لَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ)، أَيْ: لَا شَيْءَ مِنَ الْمِائَةِ لِلِابْنِ الْمُقِرِّ. (وَلِلْآخَرِ)، أَيْ: وَلِلِابْنِ الْآخَرِ (خَمْسُونَ) مِنْهَا، يَعْنِي: كَانَ لِلِابْنِ الْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْسِينَ مِنَ الْغَرِيمِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ مِنْهُ الْمِائَةَ؛ (لِأَنَّ هَذَا)، أَيْ: لِأَنَّ إِقْرَارَ أَحَدِ الِابْنَيْنِ بِمَا ذُكِرَ (إِقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ)، أَيِ: اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ (إِنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَيَجِبُ لِلْمَدْيُونِ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ مِثْلُ مَا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا، وَإِقْرَارُ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ يُوجِبُ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ مِنْ حِصَّتِهِ خَاصَّةً.
(فَإِذَا كَذَّبَهُ)، أَيْ: كَذَّبَ الْمُقِرَّ. (أَخُوهُ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ نَصِيبَهُ)، أَيْ: نَصِيبَ الْمُقِرِّ، (كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا)، احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى؛ فَإِنَّ هَلَاكَ الدَّيْنِ عَلَى الْغَيْرِ بِسَبَبِ الْإِقْرَارِ يَخْتَصُّ عِنْدَنَا بِنَصِيبِ الْمُقِرِّ، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَشِيعُ فِي النَّصِيبَيْنِ، وَكَذَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ. وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. فَعِنْدَهُ يَشِيعُ فِي النَّصِيبَيْنِ.
وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَبِمَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا، قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ، وَأَحْمَدُ: يَلْزَمُهُ نِصْفُ الدَّيْنِ وَهُوَ قِيَاسُ مَذْهَبِ مَالِكٍ،، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ، انْتَهَى.
قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَعُورِضَ بِأَنَّ صَرْفَ إِقْرَارِهِ إِلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً يَسْتَلْزِمُ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهِيَ لَا تَجُوزُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ وُجُودِ الدَّيْنِ، وَإِذَا أَقَرَّ الْمُقِرُّ بِقَبْضِ خَمْسِينَ قَبْلَ الْوَرَثَةِ لَمْ يَنْتَقِلْ عَلَى زَعْمِهِ مِنَ الدَّيْنِ إِلَّا الْخَمْسُونَ فَلَمْ تَتَحَقَّقِ الْقِسْمَةُ، انْتَهَى.
أَقُولُ. الْجَوَابُ الْمَزْبُورُ لَيْسَ بِشَافٍ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ عَدَمُ لُزُومِ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى زَعْمِ الْمُقِرِّ، وَزَعْمُ الْمُقِرِّ إِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ الْغَيْرِ فَيَكْفِي فِي الْمَحْذُورِ لُزُومُ ذَلِكَ عَلَى زَعْمِ الْآخَرِ؛ فَإِنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ بِالنَّظَرِ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ، فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ إِنَّمَا لَا تَجُوزُ فِي الْقِسْمَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَأَمَّا فِي الْقِسْمَةِ الْحُكْمِيَّةِ، كَمَا نَحْنُ فِيهِ فَعَدَمُ جَوَازِهَا مَمْنُوعٌ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي فَصْلِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ إِنَّمَا لَا تَجُوزُ قَصْدًا لَا ضِمْنًا فَتَأَمَّلْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمَا)، أَيْ: الِابْنَيْنِ. (تَصَادَقَا عَلَى كَوْنِ الْمَقْبُوضِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا)، أَيْ: عَلَى كَوْنِ