ثُمَّ عَمَلُهُ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ مِلْكًا وَاسْتِحْقَاقًا حَالَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ.
(وَلَا تَصِحُّ حَتَّى تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً، وَالْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبَدَلِهِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فِي الْبَيْعِ (وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ)؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ، فَتُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ.
الْمَقَامِ، فَإِنَّ الِانْعِقَادَ هُوَ ارْتِبَاطُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ، فَإِذَا حَصَلَ الِارْتِبَاطُ بِإِقَامَةِ الدَّارِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ يَتَحَقَّقُ الِانْعِقَادُ، فَأَيُّ مَعْنًى لِلِانْعِقَادِ سَاعَةً فَسَاعَةً بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: جَوَابُ هَذَا الْإِشْكَالِ يَنْكَشِفُ جِدًّا بِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ: وَالْمُرَادُ مِنْ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ سَاعَةً فَسَاعَةً فِي كَلَامِ مَشَايِخِنَا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ هُوَ عَمَلُ الْعِلَّةِ وَنَفَاذُهَا فِي الْمَحَلِّ سَاعَةً فَسَاعَةً لَا ارْتِبَاطُ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ كُلَّ سَاعَةٍ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ يُوهِمُ ذَلِكَ. وَالْحُكْمُ تَأَخَّرَ مِنْ زَمَانِ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ إلَى حُدُوثِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَابِلٌ لِلتَّرَاخِي كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ. وَفَسَّرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: اللَّفْظَانِ الصَّادِرَانِ مِنْهُمَا مُضَافَيْنِ إلَى مَحَلِّ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ الدَّارُ صَحَّا كَلَامًا، وَهُوَ عَقْدُ بَيْنِهِمَا، إذْ الْعَقْدُ فِعْلُهُمَا وَلَا فِعْلَ يَصْدُرُ مِنْهُمَا سِوَى تَرْتِيبِ الْقَبُولِ عَلَى الْإِيجَابِ، ثُمَّ لِانْعِقَادِ حُكْمِ الشَّرْعِ يَثْبُتُ وَصْفًا لِكَلَامَيْهِمَا شَرْعًا، وَالْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ مُغَايِرَةٌ لِلْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَنْفَكَّ عَنْ مَعْلُولَاتِهَا، فَجَازَ أَنْ يُقَالَ: الْعَقْدُ وُجِدَ وَأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ كَلَامَيْهِمَا، وَالِانْعِقَادُ تَرَاخَى إلَى وُجُودِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً، بِخِلَافِ الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ. فَإِنَّ الِانْكِسَارَ لَا يَصِحُّ انْفِكَاكُهُ عَنْ الْكَسْرِ، إلَى هُنَا كَلَامُ صَاحِبِ الْغَايَةِ.
فَكَأَنَّ ذَلِكَ الْمُسْتَشْكِلَ لَمْ يَرَ هَذَا الْكَلَامَ أَوْ لَمْ يَقْنَعْ بِهِ، وَكِلَاهُمَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ جَعَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ، وَالدَّارُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ إلَخْ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ شَرْحِ قَوْلِهِ وَتَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ رُجُوعُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَنْعَقِدَ الْعَقْدُ فِيهَا، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ شَهْرًا مَثَلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِلَا عُذْرٍ.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ، وَالدَّارُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ لِيَرْتَبِطَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ إلْزَامًا لِلْعَقْدِ فِي الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ تَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَحَقَّقَ انْعِقَادُ الْعَقْدِ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ كُلِّهِ بِمُجَرَّدِ إقَامَةِ الدَّارِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ لِيَرْتَبِطَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ لَمْ يَظْهَرْ مَعْنَى قَوْلِهِمْ وَتَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ، إذْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ تَنْعَقِدَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى، وَهِيَ سَاعَةُ الْعَقْدِ بِالْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ وَارْتِبَاطُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ الِانْعِقَادُ بِمُجَرَّدِ تِلْكَ الْإِقَامَةِ بَلْ حَصَلَ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ يُرَدُّ السُّؤَالُ الْمُقَدَّرُ الْمَزْبُورُ عَلَى قَوْلِهِمْ وَتَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَلَا يَتِمُّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ.
وَالدَّارُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ إلَخْ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ، بَلْ يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ آخَرَ كَمَا لَا يَخْفَى، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ الْجَوَابَ عَنْ السُّؤَالِ الْمَزْبُورِ، بَلْ مُرَادُهُ بِهِ تَوْجِيهُ صِحَّةِ الْعَقْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute