(وَإِذَا قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا)؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ لَا يُتَصَوَّرُ فَأَقَمْنَا تَسْلِيمَ الْمَحَلِّ مَقَامَهُ
تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ فِي جَانِبِ الْأُجْرَةِ أَيْضًا، وَكَفَى فِي إثْبَاتِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ نَفْسَهُ وَهُوَ الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ الصَّادِرَانِ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مُضَافَيْنِ إلَى مَحَلِّ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ الدَّارُ مَثَلًا مَرْبُوطًا أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ كَافٍ فِي السَّبَبِيَّةِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ انْعِقَادِهِ فِي مَرْتَبَةِ السَّبَبِيَّةِ، فَإِنَّ الِانْعِقَادَ حُكْمُ الشَّرْعِ يَثْبُتُ وَصْفًا لَهُ شَرْعًا، وَالْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ مُغَايِرَةٌ لِلْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ فِي جَوَازِ انْفِكَاكِهَا عَنْ مَعْلُولَاتِهَا، فَجَازَ أَنْ يُقَالَ: الْعَقْدُ وُجِدَ، وَالِانْعِقَادُ تَرَاخَى إلَى وُجُودِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَهَذَا هُوَ رَأْيُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ أَئِمَّتِنَا إنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ كَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْغَايَةِ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَنَقَلْنَاهُ عَنْهُ هُنَاكَ.
نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْعَقْدُ انْعِقَادًا قَبْلَ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ بِمَعْنَى الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ دُونَ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَنَقَلْنَاهُ عَنْهُ فِيمَا مَرَّ آنِفًا، لَكِنَّ الْأَسْلَمَ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ هَاهُنَا هُوَ الطَّرِيقَةُ الْأُخْرَى تَأَمَّلْ تَرْشُدْ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُقَيَّدَةٌ بِقُيُودٍ. أَحَدُهَا: التَّمَكُّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ بِأَنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ سَلَّمَ الدَّارَ مَشْغُولَةً بِمَتَاعِهِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً، فَإِنَّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ حَقِيقَةُ الِاسْتِيفَاءِ. وَلَا تَجِبُ بِمُجَرَّدِ تَمَكُّنِ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْمُدَّةِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِ حَتَّى إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْكُوفَةِ فَسَلَّمَهَا الْمُؤَجِّرُ وَأَمْسَكَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ الْمَسِيرُ فِيهَا إلَى الْكُوفَةِ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَاقَهَا مَعَهُ إلَى الْكُوفَةِ وَلَمْ يَرْكَبْهَا وَجَبَ الْأَجْرُ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْكُوفَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَذَهَبَ إلَيْهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ بِالدَّابَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute