إذْ التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ يَثْبُتُ بِهِ. قَالَ: (فَإِنْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْ يَدِهِ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ)؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَحَلِّ إنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، فَإِذَا فَاتَ التَّمَكُّنُ فَاتَ التَّسْلِيمُ، وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ فَسَقَطَ الْأَجْرُ، وَإِنْ وَجَدَ الْغَصْبَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ سَقَطَ الْأَجْرُ بِقَدْرِهِ. إذْ الِانْفِسَاخُ فِي بَعْضِهَا. قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَلِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ كُلِّ يَوْمٍ)؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً (إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْعَقْدِ)؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّأْجِيلِ (وَكَذَلِكَ إجَارَةُ الْأَرَاضِيِ) لِمَا بَيَّنَّا.
وَلَمْ يَرْكَبْ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ، وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَمَكَّنَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ. اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اعْتِبَارَ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ بِتَحْرِيرٍ آخَرَ: فَإِنْ قِيلَ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ سَاكِتٌ عَنْ أَكْثَرِ هَذِهِ الْقُيُودِ فَمَا وَجْهُهُ؟ قُلْتُ: وَجْهُهُ الِاقْتِصَارُ لِلِاخْتِصَارِ اعْتِمَادًا عَلَى دَلَالَةِ الْحَالِ وَالْعُرْفِ، فَإِنَّ حَالَ الْمُسْلِمِ دَالَّةٌ عَلَى أَنْ يُبَاشِرَ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ، وَالْفَاسِدُ مِنْهُ يَمْنَعُهُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الِانْتِفَاعِ، وَعَلَى أَنَّ الْعَاقِدَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ فَارِغًا عَمَّا يَمْنَعُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَالْعُرْفُ فَاشٍ فِي تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْعَقْدِ وَمَكَانِهِ فَكَانَ مَعْلُومًا عَادَةً، وَعَلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ، وَالْغَصْبَ مِمَّا يَمْنَعَانِ عَنْ الِانْتِفَاعِ فَاقْتَصَرَ عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَيْهِمَا. اهـ كَلَامُهُ.
أَقُولُ: فِي آخَرِ جَوَابِهِ خَلَلٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ، وَالْغَصْبَ مِمَّا يَمْنَعَانِ عَنْ الِانْتِفَاعِ إنْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ عَلَى أَنْ يُبَاشِرَ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى أَنَّ الْعَاقِدَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ فَارِغًا حَتَّى صَارَ الْمَعْنَى فَإِنَّ حَالَ الْمُسْلِمِ دَالَّةٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ، وَالْغَصْبَ مِمَّا يَمْنَعَانِ عَنْ الِانْتِفَاعِ، مَعَ رَكَاكَةِ هَذَا الْمَعْنَى كَمَا لَا يَخْفَى يَلْزَمُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ، وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِأَجْنَبِيٍّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَالْعُرْفُ فَاشٍ إلَخْ، وَإِنْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ عَلَى دَلَالَةِ الْحَالِ، وَالْعُرْفِ حَتَّى صَارَ الْمَعْنَى اعْتِمَادًا عَلَى دَلَالَةِ الْحَالِ وَالْعُرْفِ، وَعَلَى دَلَالَةِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ وَالْغَصْبَ مِمَّا يَمْنَعَانِ عَنْ الِانْتِفَاعِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَتِمَّ قَوْلُهُ: فَاقْتَصَرَ عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَيْهِمَا، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ ضَمِيرَ عَلَيْهِمَا رَاجِعٌ إلَى الْحَالِ وَالْعُرْفِ، وَعَلَى الْمَعْنَى الْمَزْبُورِ لَا تَصِيرُ عِلَّةُ الِاقْتِصَارِ لِلِاخْتِصَارِ هِيَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْحَالِ، وَالْعُرْفِ فَقَطْ بَلْ تَصِيرُ عِلَّةُ ذَلِكَ هِيَ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْحَالِ وَالْعُرْفِ، وَعَلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ، وَالْغَصْبَ مِمَّا يَمْنَعَانِ الِانْتِفَاعَ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ، وَالْغَصْبَ مِمَّا يَمْنَعَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute