(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا إلَى مَكَّةَ فَلِلْجَمَّالِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ كُلِّ مَرْحَلَةٍ)؛ لِأَنَّ سَيْرَ كُلِّ مَرْحَلَةٍ مَقْصُودٌ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يَجِبُ الْأَجْرُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَانْتِهَاءِ السَّفَرِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ فِي الْمُدَّةِ فَلَا يَتَوَزَّعُ الْأَجْرُ عَلَى أَجْزَائِهَا، كَمَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ سَاعَةً فَسَاعَةً لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ، إلَّا أَنَّ الْمُطَالَبَةَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ تُفْضِي إلَى أَنْ لَا يَتَفَرَّغَ لِغَيْرِهِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ،
عَنْ الِانْتِفَاعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَصْبَ أَيْضًا مِنْ الْقُيُودِ الْمُقْتَصَرِ عَنْ ذِكْرِهَا مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ صُورَةَ الْغَصْبِ صَرَاحَةً كَمَا تَرَى. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ فِي الْمُدَّةِ فَلَا يَتَوَزَّعُ الْأَجْرُ عَلَى أَجْزَائِهَا كَمَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ فِي الْمُدَّةِ، وَمَا هُوَ جُمْلَةٌ فِي الْمُدَّةِ لَا تَكُونُ مُسْلَمَةً فِي بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْأَعْوَاضِ مُنْطَبِقَةٌ عَلَى أَجْزَاءِ الزَّمَانِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُؤَجِّرُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ جُمْلَةِ الْمَنْفَعَةِ شَيْئًا كَمَا فِي الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ جَمِيعَهُ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَ الثَّمَنِ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلَ، كَالْخِيَاطَةِ فَإِنَّ الْخَيَّاطَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ كَمَا سَيَأْتِي. اهـ.
أَقُولُ: فِي قَوْلِهِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ جَمِيعَهُ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَ الثَّمَنِ سَهْوٌ ظَاهِرٌ، إذْ قَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ أَنَّهُ إذَا بِيعَ سِلْعَةٌ بِثَمَنٍ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي ادْفَعْ الثَّمَنَ أَوَّلًا، وَإِذَا بِيعَ سِلْعَةٌ بِسِلْعَةٍ أَوْ ثَمَنٌ بِثَمَنٍ قِيلَ لَهُمَا سَلِّمَا مَعًا، فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى يَسْتَحِقُّ قَبْضَ الثَّمَنِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ يَسْتَحِقُّ قَبْضَ الْبَدَلَيْنِ مَعًا، وَأَمَّا أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ قَبْضَ الثَّمَنِ إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَمِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَالصَّوَابُ هَاهُنَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ كَمَا فِي الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَزَّعُ وُجُوبُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ بَلْ لَهُ حَقُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute