فَقَدَّرْنَا بِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ: (وَلَيْسَ لِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ أَنْ يُطَالِبَ بِأَجْرِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْعَمَلِ)؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ الْأَجْرَ، وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ: (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْجِيلَ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ لَازِمٌ.
حَبْسِ جُمْلَةِ الْمَبِيعِ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ لِمَا بَيَّنَّا) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا وَقَعَ مُخَالِفًا لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَالذَّخِيرَةِ، وَالْمُغْنِي وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ والتمرتاشي وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يَعْمَلُ لَهُ فِي بَيْتِهِ. وَقَالُوا: لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا يَخِيطُ لَهُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ قَمِيصًا وَخَاطَ بَعْضَهُ فَسُرِقَ الثَّوْبُ فَلَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا خَاطَ، فَإِنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْعَمَلِ يَصِيرُ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ بِالْفَرَاغِ مِنْهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ التَّسْلِيمُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ عَلَى حُصُولِ كَمَالِ الْمَقْصُودِ.
وَذَكَرَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الذَّخِيرَةِ وَفِي الْإِجَارَةِ الَّتِي تَنْعَقِدُ عَلَى الْعَمَلِ وَيَبْقَى لَهُ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْأَجْرُ إلَّا بَعْدَ إيفَاءِ الْعَمَلِ كُلِّهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ لِلْخَيَّاطِ، وَالصَّبَّاغِ فِي بَيْتِ صَاحِبِ الْمَالِ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْجَمَّالِ عَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ يَجِبُ عَلَى الْمُؤَاجِرِ إيفَاءُ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الْأَجْرِ كَمَا فِي الْجَمَّالِ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ: وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا؛ لِيَخِيطَ لَهُ فِي مَنْزِلِهِ كُلَّمَا عَمِلَ عَمَلًا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِقَدْرِهِ، وَهَكَذَا أَيْضًا فِي غَيْرِهَا. وَلَكِنْ نَقَلَ فِي التَّجْرِيدِ أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ ذُكِرَ فِيهِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَ صَاحِبَ التَّجْرِيدِ أَبَا الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيَّ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ بِمَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدَهُ. إلَى هُنَا لَفْظُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ: وَأَقُولُ كَلَامُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ بَعْضِ الْأُجْرَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ. وَأَرَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا عَيَّنَا لِكُلِّ جُزْءٍ حِصَّةً مَعْلُومَةً، إذْ لَيْسَ لِلْكُمِّ مَثَلًا أَوْ لِلْبَدَنِ أَوْ لِلدَّوَامِلِ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ كُلِّ الثَّوْبِ عَادَةً فَلَمْ تَكُنْ الْحِصَّةُ مَعْلُومَةً إلَّا بِتَعْيِينِهِمَا وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ كُلُّ جُزْءٍ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ فَيَسْتَوْجِبُ أُجْرَةً كَمَا فِي كُلِّ الثَّوْبِ، وَلَعَلَّ هَذَا مُعْتَمَدُ الْمُصَنِّفِ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ مَا قَالَهُ بِشَيْءٍ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ بَعْضِ الْأُجْرَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ إنَّمَا يَكُونُ إذَا عَيَّنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute