للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لِكُلِّ جُزْءٍ حِصَّةً مَعْلُومَةً، بَلْ يَكُونُ أَيْضًا إذَا كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِتَوْزِيعِ أُجْرَةِ الْكُلِّ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ بِدُونِ تَعْيِينِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ حِصَّةً مَعْلُومَةً، بَلْ هُوَ مُرَادُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ كَمَا سَيَتَّضِحُ بِمَا سَنَذْكُرُهُ. وَقَوْلُهُ إذْ لَيْسَ لِلْكُمِّ أَوْ لِلْبَدَنِ أَوْ لِلدَّوَامِلِ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ كُلِّ الثَّوْبِ عَادَةً فَمَمْنُوعٌ أَيْضًا. نَعَمْ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ حِصَّةٌ مُعَيَّنَةٌ فِي الْعَقْدِ عَادَةً، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ حِصَّةُ كُلٍّ مِنْهَا مَعْلُومَةً بِتَوْزِيعِ أُجْرَةِ الْكُلِّ عَلَى الْأَجْزَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ بِمَا إذَا كَانَتْ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مَا إذَا عَيَّنَا لَهُ حِصَّةً مَعْلُومَةً وَصَارَ حِينَئِذٍ كُلُّ جُزْءٍ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ فَاسْتَوْجَبَ أَجْرَهُ كَمَا فِي كُلِّ الثَّوْبِ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ فَرْقٌ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ عَمَلُ الْخَيَّاطِ أَوْ الصَّبَّاغِ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ عَمَلُهُ فِي بَيْتِ صَاحِبِ الْمَالِ فِي وُجُوبِ إيفَاءِ الْأَجْرِ، إذْ لَا كَلَامَ لِأَحَدٍ فِي وُجُوبِ إيفَاءِ الْأَجْرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ.

وَقَدْ فَرَّقَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ بَيْنَهُمَا حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْإِجَارَةِ الَّتِي تَنْعَقِدُ عَلَى الْعَمَلِ وَيَبْقَى لَهُ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إيفَاءُ الْأَجْرِ إلَّا بَعْدَ إيفَاءِ الْعَمَلِ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ حِصَّةُ مَا اسْتَوْفَى مَعْلُومَةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ لِلْخَيَّاطِ، وَالصَّبَّاغِ فِي بَيْتِ صَاحِبِ الْمَالِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إيفَاءُ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَتْ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الْأَجْرِ كَمَا فِي الْجَمَّالِ. انْتَهَى. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ وَلَعَلَّ هَذَا مُعْتَمَدُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُخَالِفٌ قَطْعًا لِمَنْطُوقِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ وُجُوبُ إيفَاءِ الْأَجْرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَ الْعَمَلُ فِي بَيْتِهِ، وَلَيْسَ بِمُطَابِقٍ أَيْضًا لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ إذَا كَانَتْ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الْأَجْرِ وَهُوَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ أَجْرٌ أَصْلًا إذَا لَمْ يَكُنْ لِمَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الْأَجْرِ أَوْ لَا، فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ، وَكَانَ فِيمَا إذَا عَمِلَ فِي غَيْرِ بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ مُطْلَقًا قَبْلَ الْفَرَاغِ بِلَا خِلَافٍ، فَدَلَّ قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ بِلَا خِلَافٍ عَلَى أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ مُطْلَقًا قَبْلَ الْفَرَاغِ فِيمَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِهِ أَيْضًا، وَلِأَنَّهُ قَالَ لِمَا بَيَّنَّا، وَمُرَادُهُ بِهِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً هُوَ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَسْتَوْجِبَ الْأَجْرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مُطْلَقًا، فَأَنَّى يَصْلُحُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ؛ لَأَنْ يَكُونَ مُعْتَمَدَ الْمُصَنِّفِ فِي كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ، وَلَعَمْرِي إنَّ جُمْلَةَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا مَوْهُومٌ مَحْضٌ، فَكَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَارَ إلَى مِثْلِهِ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ عَلَمُ التَّحْقِيقِ وَعَالِمُ التَّدْقِيقِ.

ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ كَأَنَّهُ قَصَدَ دَفْعَ الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا لِاخْتِلَالِ رَأْيِ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى قَوْلِ ذَلِكَ الشَّارِحِ: وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ كُلُّ جُزْءٍ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ إلَخْ. وَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى هَذَا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا إذَا خَاطَ فِي غَيْرِ بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَنَّهُ إذَا خَاطَ فِي بَيْتِهِ يَجِبُ التَّسْلِيمُ إذَا فَرَغَ مِنْ عَمَلِ ذَلِكَ الْبَعْضِ فَيَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَاطَ فِي غَيْرِهِ وَقَالَ فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ اسْتِيجَابَ الْأَجْرِ بِالْفَرَاغِ لَا بِالتَّسْلِيمِ. ثُمَّ قَالَ: وَجَوَابُهُ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَسْتَوْجِبُ أَجْرًا. اهـ كَلَامُهُ.

أَقُولُ: جَوَابُهُ عَنْ بَحْثِهِ لَيْسَ بِتَامٍّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ اسْتِيجَابَ الْأَجْرِ يَتَحَقَّقُ بِالْفَرَاغِ، وَلِهَذَا لَوْ حَبَسَ الْخَيَّاطُ أَوْ الصَّبَّاغُ الثَّوْبَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ وَقَالَ لَا أُعْطِيكَهُ حَتَّى تُعْطِيَنِي الْأَجْرَ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، كَمَا أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ لِقَبْضِ الثَّمَنِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>