للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ» وَفِي آخِرِ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ إلَى عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ «وَإِنْ اُتُّخِذْتَ مُؤَذِّنًا فَلَا تَأْخُذْ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا» وَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ مَتَى حَصَلَتْ وَقَعَتْ عَنْ الْعَامِلِ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ أَهْلِيَّتُهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأَجْرِ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ التَّعْلِيمَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ الْمُعَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِمَعْنًى مِنْ قِبَلِ الْمُتَعَلِّمِ فَيَكُونُ مُلْتَزِمًا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَصِحُّ. وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا اسْتَحْسَنُوا الِاسْتِئْجَارَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ. فَفِي الِامْتِنَاعِ تَضْيِيعُ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ، وَكَذَا سَائِرُ الْمَلَاهِي)؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْمَعْصِيَةُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ.

قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُشَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ، وَقَالَا: إجَارَةُ الْمُشَاعِ جَائِزَةٌ) وَصُورَتُهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَصِيبًا مِنْ دَارِهِ أَوْ نَصِيبَهُ مِنْ

النَّظَرُ الْمَزْبُورُ أَصْلًا.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ مَتَى حَصَلَتْ وَقَعَتْ عَلَى الْعَامِلِ إلَخْ) أَقُولُ: يَنْتَقِضُ هَذَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَبِذَلِكَ تَشْهَدُ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي الْبَابِ كَحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ «حُجِّي عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرِي» فَإِنَّ ذَلِكَ صَرِيحٌ فِي وُقُوعِ الْقُرْبَةِ عَنْ غَيْرِ الْعَامِلِ. قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الدَّلِيلِ: وَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ مَتَى وَقَعَتْ يَقَعُ ثَوَابُهَا لِلْفَاعِلِ لَا لِغَيْرِهِ. اهـ. أَقُولُ: يُخَالِفُ هَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْكَافِي أَيْضًا فِي أَوَّلِ بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ صَلَاةً كَانَتْ أَوْ صَوْمًا أَوْ صَدَقَةً أَوْ غَيْرَهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ «أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ أَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ» فَجَعَلَ ثَوَابَ تَضْحِيَةِ إحْدَى الشَّاتَيْنِ لِأُمَّتِهِ. اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّعْلِيمَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ الْمُعَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِمَعْنًى مِنْ قِبَلِ الْمُتَعَلِّمِ فَيَكُونُ مُلْتَزِمًا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَصِحُّ) أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ الْمُعَلِّمَ لَا يَسْتَقِلُّ فِي التَّعْلِيمِ بِشَيْءٍ أَصْلًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ التَّلْقِينَ وَالْإِلْقَاءَ فِعْلُ الْمُعَلِّمِ وَحْدَهُ لَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلْمُتَعَلِّمِ، وَإِنَّمَا وَظِيفَتُهُ الْأَخْذُ وَالْفَهْمُ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ لِلْمُتَعَلِّمِ أَيْضًا مَدْخَلًا فِي ظُهُورِ أَثَرِ التَّعْلِيمِ وَفَائِدَتِهِ فَإِنَّ الْمُتَعَلِّمَ مَا لَمْ يَأْخُذْ مَا أَلْقَاهُ الْمُعَلِّمُ وَلَمْ يَفْهَمْ مَا لَقَّنَهُ لَمْ يَظْهَرْ لِتَعْلِيمِهِ أَثَرٌ وَفَائِدَةٌ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَلْتَزِمُهُ الْمُعَلِّمُ إنَّمَا هُوَ فِعْلُ نَفْسِهِ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَا فِعْلُ الْآخَرِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى فِعْلُ نَفْسِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. فَإِنْ قُلْت: التَّعْلِيمُ وَالتَّعَلُّمُ مُتَّحِدَانِ بِالذَّاتِ، وَمُخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ، فَيَئُولُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّعْلِيمِ إلَى أَخْذِهَا عَلَى التَّعَلُّمِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْغَيْرِ. قُلْت: اتِّحَادُ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ بِالذَّاتِ أَمْرٌ غَيْرُ وَاضِحٍ بَلْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَلَوْ سُلِّمَ كَفِي التَّغَايُرُ الِاعْتِبَارِيُّ لَنَا إذْ لَا شَكَّ فِي اخْتِلَافِ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَلْيَكُنْ فِي أَخْذِهِ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا: اسْتَحْسَنُوا الِاسْتِئْجَارَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، فَفِي الِامْتِنَاعِ تَضْيِيعُ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَقُولُ: فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخُ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الثَّانِي وَالدَّلِيلِ الثَّالِثِ الْمَارَّيْنِ آنِفًا أَنْ لَا يُمْكِنَ تَحَقُّقُ مَاهِيَّةِ الْإِجَارَةِ، وَهِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>