دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ. لَهُمَا أَنَّ لِلْمُشَاعِ مَنْفَعَةً وَلِهَذَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَالتَّسْلِيمُ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ أَوْ بِالتَّهَايُؤِ فَصَارَ كَمَا إذَا آجَرَ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ رَجُلَيْنِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ آجَرَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمُشَاعِ وَحْدَهُ لَا يُتَصَوَّرُ، وَالتَّخْلِيَةُ اُعْتُبِرَتْ تَسْلِيمًا لِوُقُوعِهِ تَمْكِينًا وَهُوَ الْفِعْلُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّمَكُّنُ وَلَا تَمَكُّنَ فِي الْمُشَاعِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِحُصُولِ التَّمَكُّنِ فِيهِ، وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ حُكْمًا لِلْعَقْدِ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ، وَحُكْمُ الْعَقْدِ يَعْقُبُهُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطُ الْعَقْدِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ يَسْبِقُهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْمُتَرَاخِي سَابِقًا،
فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَنَظَائِرِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ مَا الْتَزَمَهُ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ اسْتِحْسَانُ الِاسْتِئْجَارِ فِي هَاتِيك الصُّوَرِ، وَصِحَّةُ اسْتِحْسَانِهِ فَرْعُ إمْكَانِ تَحَقُّقِ مَاهِيَّةِ الْإِجَارَةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ فِي دَفْعِ هَذَا الْإِشْكَالِ الْقَوِيِّ لَعَلَّهُ مِمَّا تُسْكَبُ فِيهِ الْعَبَرَاتُ إلَّا أَنْ لَا يُسَلَّمَ صِحَّةُ ذَيْنِك الدَّلِيلَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ حُكْمًا لِلْعَقْدِ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ، إلَى قَوْلِهِ لَا يُعْتَبَرُ الْمُتَرَاخِي سَابِقًا) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا أَوْ بِالتَّهَايُؤِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّهَايُؤَ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْعَقْدُ الْمُوجِبِ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالتَّهَايُؤِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُ الشَّيْءِ بِمَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ ثُبُوتًا، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ، أَمَّا عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ فَبِأَنْ قَالَ فِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَقُولَا إنَّ التَّهَايُؤَ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ، بَلْ يَقُولَانِ يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ بِهِ، فَكَمَا أَنَّ التَّسْلِيمَ حُكْمُ الْعَقْدِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ شَرْطٌ فَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي التَّهَايُؤِ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ فَبِأَنْ قَالَ يَجُوزُ ثُبُوتُ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ بِمَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ ثُبُوتًا، وَمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنْهُ. اهـ.
أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَاقِطٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِمَبْنِيٍّ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَدَارُ مَا قَالَهُ صَاحِبَاهُ عَلَى أَنَّ التَّهَايُؤَ هُوَ الْقُدْرَةُ حَتَّى يَصِحَّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُمَا لَمْ يَقُولَا إنَّ التَّهَايُؤَ هُوَ الْقُدْرَةُ، بَلْ قَالَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ بِهِ، بَلْ ذَاكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمَا أَوْ بِالتَّهَايُؤِ فِي قَوْلِهِمَا وَالتَّسْلِيمُ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute