للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ يُحَابِي فِي صَفْقَةٍ لِيَرْبَحَ فِي أُخْرَى.

قَالَ (فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِبْدَادِ وَثُبُوتِ الِاخْتِصَاصِ فَبَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَبِمِثْلِهِ لَا تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ، وَهَذَا

أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ إنَّمَا هُوَ جَوَازُ السَّفَرِ لِلْمُكَاتَبِ لَا جَوَازُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَحَدِيثُ الْإِعَادَةِ لِلتَّمْهِيدِ لَا يَتِمُّ عُذْرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَسْأَلَتَيْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَمَا تَرَى.

وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ اسْتِطْرَادًا، وَإِنَّمَا مَحِلُّ ذِكْرِهِ هُنَا وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ هَاهُنَا انْتَهَى. أَقُولُ: وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ هُنَا لَيْسَ بِلَفْظِ الْقُدُورِيِّ، وَإِنَّمَا لَفْظُهُ: فَيَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالسَّفَرُ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِهِ وَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ، وَبِإِضْمَارِ الْمُكَاتَبِ دُونَ إظْهَارِهِ، وَاَلَّذِي ذُكِرَ هُنَا بِالْوَاوِ بَدَلِ فَاءِ التَّفْرِيعِ، وَبِإِظْهَارِ لَفْظِ الْمُكَاتَبِ إنَّمَا هُوَ لَفْظُ الْبِدَايَةِ.

نَعَمْ حَاصِلُ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، لَكِنْ هَذَا مُتَحَقِّقٌ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: فَيَمْلِكُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالْخُرُوجَ إلَى السَّفَرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حَاصِلَ مَعْنَاهُ مُتَّحِدٌ بِمَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَعَ بَيَانُهَا مُكَرَّرًا لِأَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبِدَايَةِ ثَمَّةَ قَوْلِهِ فَيَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالسَّفَرُ، وَذَكَرَ جَوَازَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالسَّفَرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي الْبِدَايَةِ، فَلَمَّا بَلَغَ فِي الْهِدَايَةِ وَهِيَ شَرْحُ الْبِدَايَةِ هَذَا الْمَوْضِعَ سَاقَ الْكَلَامَ كَمَا سَاقَ مِنْ غَيْرِ إخْلَالٍ وَإِنْ كَانَ ذَكَرَ جَوَازَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالسَّفَرِ فِي الْهِدَايَةِ قَبْلَ هَذَا اهـ فَتَبَصَّرْ

(قَوْلُهُ وَصَحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِمِثْلِهِ لَا تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحِلِّ: يَعْنِي أَنَّ الشَّرْطَ الْبَاطِلَ إنَّمَا يُبْطِلُ الْكِتَابَةَ إذَا تَمَكَّنَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ، كَمَا إذَا قَالَ كَاتَبْتُك عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي مُدَّةً أَوْ زَمَانًا، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا شَرْطَ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا فِيمَا يُقَابِلُهُ فَلَا تَفْسُدُ بِهِ الْكِتَابَةُ انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ وَلَا فِيمَا يُقَابِلُهُ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّهُ مُقَابِلُهُ فَكُّ الْحَجْرِ وَحُرِّيَّةُ الْيَدِ وَالْمَنْعُ مِنْ الْخُرُوجِ تَخْصِيصٌ لِلْفَكِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ، فَإِنَّ مُرَادَهُ بِمَا يُقَابِلُهُ هُوَ الْمُكَاتَبُ، إلَّا أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَخْتَصُّ بِهِ أَيْضًا كَمَا سَيَجِيءُ بَعْدَ أَسْطُرٍ انْتَهَى.

أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ كَوْنَ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ تَخْصِيصًا لِلْفَكِّ وَالْحُرِّيَّةِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ دَاخِلًا فِيهِمَا، فَإِنَّهُ تَخْصِيصُ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ أَخَصَّ مِنْهُ، كَمَا إذَا عَرَّفْنَا الْإِنْسَانَ بِالْحَيَوَانِ الضَّاحِكِ فَإِنَّ قَيْدَ الضَّاحِكِ يُخَصِّصُ الْحَيَوَانَ بِالْإِنْسَانِ مَعَ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْهُ قَطْعًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ ذَلِكَ أَيْضًا، وَإِذْ لَا رَيْبَ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْخُرُوجِ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْفَكِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَكَذَا الْحَالُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِمَا يُقَابِلُهُ هُوَ الْمُكَاتَبُ، فَإِنَّ اخْتِصَاصَ هَذَا الشَّرْطِ بِهِ لَا يَقْتَضِي دُخُولَهُ فِيهِ، بَلْ لَا مَجَالَ لِدُخُولِهِ فِيهِ أَصْلًا كَمَا لَا يَخْفَى.

وَاَلَّذِي نَفَاهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ إنَّمَا هُوَ دُخُولُ هَذَا الشَّرْطِ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ فِيمَا يُقَابِلُهُ، إذْ بِهِ يَتَحَقَّقُ التَّمَكُّنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَمَا عَيَّنَهُ (قَوْلُهُ وَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>