كِتَابُ الْإِكْرَاهِ
قَالَ (الْإِكْرَاهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ إذَا حَصَلَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِ مَا تَوَعَّدَ بِهِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ لِصًّا)
ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ النَّسَبَ مَا دَامَ ثَابِتًا مِنْ إنْسَانٍ أَوَّلًا لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ مِنْ غَيْرِهِ ثَانِيًا، وَثُبُوتُ نَسَبِ وَلَدِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْهُمَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا ادَّعَيَاهُ مَعًا.
وَأَمَّا إذَا ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا وَالْآخَرُ ثَانِيًا فَإِنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي كَمَا فُصِّلَ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ مِنْ كِتَابِ الْعَتَاقِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي مُجَرَّدِ عَدَمِ صِحَّةِ اجْتِمَاعِ ثُبُوتِهِ لِلشَّخْصَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَ ثُبُوتُهُ لَهُمَا عَلَى سَبِيلِ التَّعَاقُبِ لَا فِي عَدَمِ صِحَّةِ الِانْتِقَالِ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ آخَرُ نَاشِئٌ مِنْ كَوْنِ الثَّابِتِ لَازِمًا وَعَقْدُ الْوَلَاءِ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَيُخَالِفُ النَّسَبَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فَلِهَذَا يَصِحُّ الِانْتِقَالُ فِيهِ دُونَ النَّسَبِ فَتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
(كِتَابُ الْإِكْرَاهِ)
قِيلَ فِي مُنَاسَبَةِ الْوَضْعِ لَمَّا ذَكَرَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لِمُنَاسَبَةِ الْمُكَاتَبِ، وَذَكَرَ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ لِمُنَاسَبَةِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ لَاقَ إيرَادُ الْإِكْرَاهِ عَقِيبَ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَغَيُّرَ حَالِ الْمُخَاطَبِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ، فَإِنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ يُغَيِّرُ حَالَ الْمُخَاطَبِ الَّذِي هُوَ الْمَوْلَى الْأَعْلَى مِنْ حُرْمَةِ تَنَاوُلِ مَالِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى حِلِّهِ بِالْإِرْثِ، فَكَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ يُغَيِّرُ حَالَ الْمُخَاطَبِ الَّذِي هُوَ الْمُكْرَهُ مِنْ حُرْمَةِ الْمُبَاشَرَةِ إلَى حِلِّهَا فِي عَامَّةِ الْمَوَاضِعِ.
ثُمَّ إنَّ الْإِكْرَاهَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ حَمْلِ الْإِنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَكْرَهُهُ، يُقَالُ أَكْرَهْت فُلَانًا إكْرَاهًا: أَيْ حَمَلْته عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ، وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ بِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْعَدِمَ بِهِ الْأَهْلِيَّةُ فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ أَوْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْخِطَابُ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ مُبْتَلًى وَالِابْتِلَاءُ يُقَرِّرُ الْخِطَابَ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَحَظْرٍ وَإِبَاحَةٍ وَرُخْصَةٍ، وَيَأْثَمُ مَرَّةً وَيُؤْجَرُ أُخْرَى وَهُوَ آيَةُ الْخِطَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute