للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ نُقْصَانًا فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا، وَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ جَارِيَةً سَمِينَةً فَهَزَلَتْ ثُمَّ سَمِنَتْ أَوْ سَقَطَتْ ثَنِيَّتُهَا ثُمَّ نَبَتَتْ أَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِهِ وَأَخَذَ أَرْشَهَا وَأَدَّاهُ مَعَ الْعَبْدِ يُحْتَسَبُ عَنْ نُقْصَانِ الْقَطْعِ، وَوَلَدُ الظَّبْيَةِ مَمْنُوعٌ، وَكَذَا إذَا مَاتَتْ الْأُمُّ. وَتَخْرِيجُ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْوِلَادَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِمَوْتِ الْأُمِّ، إذْ الْوِلَادَةُ لَا تُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَدِّ أَصْلِهِ لِلْبَرَاءَةِ، فَكَذَا لَا بُدَّ مِنْ رَدِّ خَلَفِهِ، وَالْخِصَاءُ لَا يُعَدُّ زِيَادَةً؛ لِأَنَّهُ غَرَضُ بَعْضِ الْفَسَقَةِ، وَلَا اتِّحَادَ فِي السَّبَبِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ النُّقْصَانِ الْقَطْعُ

سَبَبُ الْمَوْتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا هُوَ سَبَبٌ لِأَحَدِهِمَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْآخَرِ أَيْضًا أَلْبَتَّةَ، حَتَّى يَصِحَّ حَوَالَةُ مَعْرِفَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْآخَرِ، أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي وَتَخْرِيجُ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْوِلَادَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِمَوْتِ الْأُمِّ إذْ لَا تُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا اهـ.

فَإِنَّ ذَاكَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوِلَادَةَ لَا تَكُون سَبَبًا لِمَوْتِ الْأُمِّ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ دَلَالَةً أَنَّ الْعُلُوقَ أَيْضًا لَا يَكُونُ سَبَبًا لَهُ؛ لِأَنَّ إفْضَاءَهُ إلَى الْمَوْتِ أَبْعَدُ مِنْ إفْضَاءِ الْوِلَادَةِ إلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى، مَعَ أَنَّهُ حَكَمَ هَاهُنَا بِأَنَّ سَبَبَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ هُوَ الْوِلَادَةُ وَالْعُلُوقُ. ثُمَّ إنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الْحَوَالَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ أَنْ يُقَالَ عَلَى مَا يَجِيءُ أَوْ عَلَى مَا سَيُعْرَفُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ، وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ عَلَى مَا عُرِفَ فَلَمْ يُعْرَفْ قَطُّ، فَالْوَجْهُ هُوَ الْحَمْلُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ لَا غَيْرَ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ نُقْصَانًا فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا)؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْوَاحِدَ لَمَّا أَثَّرَ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَلَفًا عَنْ النُّقْصَانِ، كَالْبَيْعِ لَمَّا أَزَالَ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ دَخَلَ الثَّمَنُ فِي مِلْكِهِ فَكَانَ الثَّمَنُ خَلَفًا عَنْ مَالِيَّةِ الْمَبِيعِ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ، حَتَّى إنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِبَيْعِ شَيْءٍ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ.

وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ جَوَابٌ لِلْخَصْمِ عَنْ أَصْلِ دَلِيلِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَابِرًا لِنُقْصَانٍ وَقَعَ فِي مِلْكِهِ بَلْ هُوَ عَلَى حَالِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إلَى جَوَابِهِ بِقَوْلِهِ لَا يُعَدُّ نُقْصَانًا، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُعَدَّ نُقْصَانًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى جَابِرٍ، فَإِطْلَاقُ الْجَابِرِ عَلَيْهِ تَوَسُّعٌ، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ. أَقُولُ: الْجَوَابُ مَنْظُورٌ فِيهِ، فَإِنَّ النُّقْصَانَ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ لَا مَجَالَ لِإِنْكَارِ وُقُوعِهِ، إذْ وَضْعُ مَسْأَلَتِنَا فِيمَا إذَا نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ، وَلَا يُرَى وَجْهٌ لَأَنْ لَا يُعَدُّ ذَلِكَ النُّقْصَانُ الْمُحَقَّقُ نُقْصَانًا سِوَى انْجِبَارِ ذَلِكَ النُّقْصَانِ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ الْوَلَدُ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشُّرَّاحِ قَاطِبَةً فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ نُقْصَانًا كَمَا مَرَّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ (فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءً بِهِ جُبِرَ النُّقْصَانِ بِالْوَلَدِ وَسَقَطَ ضَمَانُهُ عَنْ الْغَاصِبِ)، وَلَوْ كَانَ إطْلَاقُ الْجَابِرِ عَلَيْهِ تَوَسُّعًا وَلَمْ يُوجَدْ الْجَبْرُ حَقِيقَةً لَمْ يَظْهَرْ وَجْهٌ لَأَنْ يُعَدَّ نُقْصَانُ الْمَغْصُوبِ الْوَاقِعِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ نُقْصَانًا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ، وَأَنْ لَا يُعَدَّ نُقْصَانُهُ الْوَاقِعُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ نُقْصَانًا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عِنْدَنَا بَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَحَكُّمًا بَحْتًا، وَحَاشَا لِأَئِمَّتِنَا مِنْ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ جَارِيَةً سَمِينَةً فَهَزَلَتْ ثُمَّ سَمِنَتْ أَوْ سَقَطَتْ ثَنِيَّتُهَا ثُمَّ نَبَتَتْ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا اتِّحَادَ

<<  <  ج: ص:  >  >>