للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ وَالسَّيْفُ مَوْضُوعٌ فَيَتَعَذَّرُ الْإِلْزَامُ، وَإِذَا بَقِيَ التَّقَوُّمُ فَقَدْ وُجِدَ إتْلَافُ مَالٍ مَمْلُوكٍ مُتَقَوِّمٍ فَيَضْمَنُهُ. بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ لَا يَدِينُ تَمَوُّلَهُمَا، إلَّا أَنَّهُ تَجِبُ قِيمَةُ الْخَمْرِ وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِهِ لِكَوْنِهِ إعْزَازًا لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَتْ الْمُبَايَعَةُ بَيْنَ الذِّمِّيِّينَ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا.

لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي الْحَالِ مَضْمُونٌ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ. وَالثَّانِي أَنَّ الشَّرْعَ مَنَعَنَا عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُمْ بِالْمَنْعِ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ حِسًّا لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ، وَمِثْلُهُ لَا يَكْذِبُ وَقَدْ دَانُوا شُرْبَ الْخَمْرِ وَأَكْلَ الْخِنْزِيرِ فَلَزِمَنَا تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَنَفْيُ الضَّمَانِ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ يُفْضِي إلَى التَّعَرُّضِ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا غَصَبَ أَوْ أَتْلَفَ لَا يُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ يَقْدُمُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ مَنْعُهُمْ وَالتَّعَرُّضُ لَهُمْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْبَدَائِعِ.

(قَوْلُهُ وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فَلِمَ لَا نَتْرُكُهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ كَإِحْدَاثِ الْبَيْعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَكَرُكُوبِ الْخَيْلِ وَحَمْلِ السِّلَاحِ فَإِنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْهَا عَلَى مَا مَرَّ فِي كِتَابِ السَّيْرِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ أَمْثَالَهَا مُسْتَثْنًى مِمَّا يَدِينُونَ بِدَلَائِلَ ذُكِرَتْ فِي مَوْضِعِهَا، كَمَا أَنَّ الرِّبَا مُسْتَثْنًى مِنْ عُقُودِهِمْ بِقَوْلِهِ «أَلَا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ» عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ عَنْ قَرِيبٍ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ، وَنُوقِضَ بِمَا إذَا مَاتَ الْمَجُوسِيُّ عَنْ ابْنَتَيْنِ إحْدَاهُمَا امْرَأَتُهُ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ بِالزَّوْجِيَّةِ شَيْئًا مِنْ الْمِيرَاثِ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ صِحَّةَ ذَلِكَ النِّكَاحِ، وَصِحَّةُ النِّكَاحِ تُوجِبُ تَوْرِيثَ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمَانِعُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي دِيَانَتِهِمْ ثُمَّ لَمْ نَتْرُكْهُمْ وَمَا يَدِينُونَ. وَأُجِيبُ بِأَنْ لَا نُسَلِّمَ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ التَّوْرِيثَ بِأَنْكِحَةِ الْمَحَارِمِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَيَانٍ اهـ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: إنَّ مُرَادَ النَّاقِضِ أَنَّا إذَا حَكَمْنَا بَيْنَهُمْ عَلَى شَرْعِ الْإِسْلَامِ بِطَلَبِهِمْ ذَلِكَ لَا نُوَرِّثُهَا اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ كَبِيرُ حَاصِلٍ، إذْ مُرَادُ الْمُجِيبِ أَيْضًا أَنَّ عَدَمَ تَوْرِيثِنَا إيَّاهَا إذَا حَكَمْنَا بَيْنَهُمْ عَلَى شَرْعِ الْإِسْلَامِ بِطَلَبِهِمْ ذَلِكَ لِعَدَمِ ثُبُوتِ اعْتِقَادِهِمْ التَّوْرِيثَ بِأَنْكِحَةِ الْمَحَارِمِ. نَعَمْ يَعْتَقِدُ الْمَجُوسِيُّ صِحَّةَ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اعْتِقَادِ صِحَّةِ النِّكَاحِ اعْتِقَادُ اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمِيرَاثَ يَمْتَنِعُ بِالرِّقِّ وَاخْتِلَافِ الدِّينِ مَعَ صِحَّةِ النِّكَاحِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ فِي النِّهَايَةِ، وَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الْقَائِلُ أَنَّهُمْ لَوْ اعْتَقَدُوا التَّوْرِيثَ بِأَنْكِحَةِ الْمَحَارِمِ وَطَلَبُوا ذَلِكَ لَمْ نَحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِذَلِكَ أَيْضًا عَلَى شَرْعِ الْإِسْلَامِ، فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا يَضُرُّنَا إنَّمَا هُوَ النَّقْضُ بِمَا هُوَ أَمْرٌ وَاقِعٌ لَا بِمَا هُوَ فَرْضٌ مَحْضٌ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا كَلَامٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ لِلسَّائِلِ أَنْ يُورِدَ النَّقْضَ حِينَئِذٍ بِمُسْلِمٍ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ كَافِرَةٍ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْمِيرَاثِ عِنْدَنَا لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ، مَعَ أَنَّ وُجُوبَ تَوْرِيثِ الزَّوْجَةِ مِنْ زَوْجِهَا مُقَرَّرٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَانِعٌ، وَالظَّاهِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>