وهذا الكتاب -الذي نُعنى بتحقيقه- اختصار للأحكام الشرعية الوسطى، اقتصر فيها على ذكر الأحاديث الصحيحة، كما يقول في مقدمته "وتخيرتها صحيحة الإِسناد، معروفة عند النقاد، قد نقلها الأثبات، وتداولها الثقات".
وطريقة اختصاره للوسطى تقوم فقط على حذف الأحاديث الضعيفة، مع المحافظة على أصل الوسطى وترتيب نصوصها، بحيث لو افترض وجود نسخة من الوسطى، وأخرى من الصغرى، ثم حذفت الأحاديث الضعيفة من الوسطى، ونُقلت إلى الصغرى، لأصبحت الوسطى صغرى، والصغرى وسطى، إلا في آخره، فقد أخر أبو محمد وقدم قليلا، وقام بحذف القليل من الصحيح.
وظن بعضُ أهل العلم (١) أيضا أن كتاب أبن القطان المسمى بالوهم والإِيهام موضوع على الصغرى من الأحكام، وقد أبعد الإنتجاع عن الصواب من ذهب إلى هذا، ولا يذهب إليه -بحق- من طالع كتاب بيان الوهم، وتأمله أدنى تأمل، إذ إن مؤلفه قد عقد فيه عدة أبواب، لا ينطبق مضمونها على الأحكام الصغرى التى اقتصر فيها على الأحاديث الصحيحة، من هذه الأبواب:
باب ذكر أحاديث أعلَّها. برجال، وفيها من هو مثلهم، أو أضعف، أو مجهول لا يعرف.
باب ذكر أحاديث أعلَّها، ولم يبين من أسانيدها مواضع العلة.
باب ذكر أحاديث ضعفها، وهي صحيحة أو حسنة، وما أعلها به ليست بعلة،
(١) كالغبريني في عنوان الدراية (ص: ٤٣) إذ يقول: "وقد كتب أبو عبد الله القطات مزوار بالمغرب على الأحكام الصغرى وتبعه الشع أبو عبد الرحمن بن عقيل في الشروح والتعيقات (ص:١١١) فقال: (فتيقنت المراد بالشرح انتقاد ابن القطان للأحكام الصغرى بكتابه الوهم بالإِيهام". ثم إنه رجع عن هذا في أواخر كتابه (ص ١٥٨).