للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأن القاضي إذا غضب تغير عقله ولم يستوف رأيه.

وأما كونه لا يقضي وهو حاقن أو في شدة الجوع والعطش والهم والوجع والنعاس والبرد المؤلم والحر المُزعج؛ فلأن الغضب إنما مُنع من القضاء معه؛ لأن ذلك مُذهبٌ للفكر وحسن الرأي، وذلك موجود في الصور المذكورة. فوجب أن يترتب عليها ما ترتب على الغضب؛ لأن الاستواء في العلة يدل على التساوي في المعلول.

وأما كونه إذا حكم مع شيء مما ذكر ينفذ حكمه؛ فلما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اختصم إليه الزبير ورجل من الأنصار في شَراج الحرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: اسق زرعك ثم أرسل الماء إلى جارك. فقال الأنصاري: أن كان ابن عمتك. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال للزبير: اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر» (١).

وأما كونه لا ينفذُ على قول القاضي؛ فلأنه ارتكب النهي، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه.

وأما كونه إذا عرض الغضبُ أو ما في معناه بعد فهم الحكم معه من اشتغال الفكرة المؤدية إلى عدم الإصابة، وذلك مفقود يمتنع من الحكم فيما إذا عرض بعد فهم الحكم موجود فيما إذا عرض قبله.

قال: (ولا يحل له أن يرتشي، ولا يقبل الهدية إلا ممن كان يُهدي إليه قبل ولايته بشرط أن لا تكون له حكومة).

أما كون القاضي لا يحل له أن يرتشي؛ فلأنه جاء في تفسير قوله تعالى: {أكَّالون للسحت} [المائدة: ٤٢] هو الرشوة.

وفي الحديث عن عبدالله بن عمر قال: «لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الراشِي والمرتَشِي» (٢). رواه الترمذي. وهذا حديث حسن صحيح.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٢٢٣٣) ٢: ٨٣٢ كتاب المساقاة، باب شرب الأعلى إلى الكعبين.
وأخرجه مسلم في صحيحه (٢٣٥٧) ٤: ١٨٢٩ كتاب الفضائل، باب وجوب ابتابعه صلى الله عليه وسلم.
(٢) أخرجه أبو داود في سننه (٣٥٨٠) ٣: ٣٠٠ كتاب الأقضية، باب في كراهية الرشوة.
وأخرجه الترمذي في جامعه (١٣٣٧) ٣: ٦٢٣ كتاب الأحكام، باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (٢٣١٣) ٢: ٧٧٥ كتاب الأحكام، باب التغليظ في الحيف والرشوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>