للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما كونه له الحكم به إذا لم يسمعه معه أحد أو سمعه معه شاهد واحد على المنصوص عن الإمام أحمد؛ فلأن الحكم إذاً ليس محض حكمٍ بعلم.

وأما كونه لا يحكم به على قول القاضي؛ فلأنه حكم بعلمه، وذلك لا يجوز؛ لما يأتي إن شاء الله تعالى.

قال: (وليس له الحكم بعلمه مما رآه أو سمعه. نص عليه وهو اختيار الأصحاب. وعنه: ما يدل على جواز ذلك سواء كان في حدٍ أو غيره).

أما كون الحاكم ليس له الحكم بعلمه على المذهب واختيار الأصحاب؛ فلما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أنا بشر، ولعل بعضكمْ أن يكونَ ألحنَ بحجتهِ من بعض فأقضي له على نحوِ ما أسمعُ منه» (١). فدل على أنه يقضي بما يسمع لا بما يعلم. وفي حديث الحضرمي والكندي: «شاهداكَ أو يمينه. ليس لكَ منه إلا ذاك» (٢).

وأما كونه يجوز له ذلك على روايةٍ؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قالت له هند: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي. قال: خذي ما يكفيكِ وولدكِ بالمعروف» (٣). فحكم لها من غير بينة ولا إقرار؛ لعلمه بصدقها.

وروى ابن عبدالبر في كتابه: أن عروة ومجاهداً رويا «أن رجلاً من بني مخزوم استعدى عمر بن الخطاب على أبي سفيان بن حرب أنه ظلمه حداً في موضع كذا وكذا. فقال عمر: إني لأعلمُ الناس بذلك وربما لعبت أنا وأنت فيه ونحن غلمان فأتني بأبي سفيان. فأتاه به. فقال له عمر: يا أبا سفيان انهض بنا إلى موضع كذا وكذا فنهضوا ونظر عمر فقال: يا أبا سفيان! خذْ هذا الحجر من هاهنا فضعه هاهنا. فقال: والله لا أفعل. فقال: والله! لتفعلن. فقال: والله لا أفعل. فعلاه


(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٦٧٤٨) ٦: ٢٦٢٢ كتاب الأحكام، باب موعظة الإمام للخصوم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (١٧١٣) ٣: ١٣٣٧ كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه (١٣٩) ١: ١٢٣ كتاب الأيمان، باب وعيد من اقتطع حق المسلم بيمين فاجرة بالنار.
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه (٥٠٤٩) ٥: ٤٨ كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها.
وأخرجه مسلم في صحيحه (١٧١٤) ٣: ١٣٣٨ كتاب الأقضية، باب قضية هند.

<<  <  ج: ص:  >  >>