للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعلمها لم يُقمها حتى يسأله، فإن لم يعلمها استحب له إعلامه بها، وله إقامتها قبل ذلك).

أما كون من كانت عنده شهادة في حدٍّ من حدود الله تعالى يباح له إقامتها؛ فـ «لأن أبا بكرة وأصحابه والجارود وأبا هريرة أقاموا الشهادة على قدامة بن مظعون بشُرب الخمر» (١).

وفي تخصيص الشهادة المذكورة بالإباحة تنبيه على أن أداءها غير واجب؛ لأنها شهادة لا يستحب إقامتها؛ لما يأتي. فلأن لا يجب بطريق الأولى.

وأما كون إقامتها لا تستحب؛ فلأن الستر مندوب إليه، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سترَ مسلماً سترهُ اللهُ في الدنيا والآخرة» (٢).

وأما كون الحاكم له أن يُعَرِّض للشهود بالوقوف عن الشهادة المذكورة في وجه؛ فلأن التعريض للشهود بالرجوع كالتعريض للفاعل بالرجوع عن إقراره وذلك جائز؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم عرّض في قضية ماعز» (٣). وقال لسارق: «ما إخالُكَ سرقت» (٤) وفي رواية: «قل: لا» (٥). فليكن التعريض للشهود جائزاً؛ لأنه في معناه.

ولأن عمر قال في قضية المغيرة لما شهد عليه ثلاثة وجاء الرابع: «ما تقول يا شيخ؟ »، وفي لفظ آخر: «يا شيخ العقاب».


(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٨: ٣١٦ كتاب الأشربة، باب من وجد منه ريح شراب أو لقي سكران.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه (٢٦٩٩) ٤: ٢٠٧٤ كتاب الذكر، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر.
(٣) روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز: «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت. قال: لا ... ».
أخرجه البخاري في صحيحه (٦٤٣٨) ٦: ٢٥٠٢ كتاب المحاربين، باب هل يقول الإمام للمقر: لعلك لمست أو غمزت.
(٤) أخرجه أبو داود في سننه (٤٣٨٠) ٤: ١٣٤ كتاب الحدود، باب في التلقين في الحد.
(٥) قال ابن حجر: لم يصححوا هذا الحديث. هذا الحديث تبع فيه الغزالي في الوسيط. فإنه قال: وقوله: «قل: لا» لم يصححه الأئمة، وسبقهما الإمام في النهاية فقال: سمعت بعض أئمة الحديث لا يصحح هذا اللفظ. وقال في موضع آخر: غالب الظن أن هذه الزيادة لم تصح عند أئمة الحديث، قال الرافعي: ورأيت في تعليق الشيخ أبي حامد وغيره: أن أبا بكر قاله لسارق أقر أعنده، انتهى. تلخيص الحبير ٤: ١٢٥ - ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>