للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما كونه ليس له ذلك في وجه؛ فلأن ذلك حق من الحقوق. فلم يجز للحاكم التعريض فيه للشهود بالرجوع؛ كحق الآدمي.

وأما كون من كانت عنده شهادة لآدمي يعلمها لم يُقمها حتى يسأله؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خيرُ الناس قَرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. ثم يأتي قومٌ يَنذرونَ ولا يُوفون، ويَشهدونَ ولا يُستشهدون، ويخونونَ ولا يُؤتمنون» (١). رواه البخاري.

ولأن أداءها حق لآدمي. فلا تستوفى إلا برضاه؛ كسائر حقوقه.

وأما كونه يستحب له إعلام صاحب الحق بالشهادة التي له؛ فلأن ذلك تنبيهاً على حقه.

وأما كونه له إقامتها قبل إعلامه بها؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكمْ بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبلَ أن يُسألها» (٢). رواه أبو داود.

فإن قيل: الحديث مطلق فيمن معه شهادة علم بها صاحبها أو لم يعلم.

قيل: الحديث الأول دل على المنع من الشهادة قبل أن يُستشهد بها. فيجب حمل الحديث هنا على شهادة لا يعلم بها صاحبها؛ لأن فيه جمعاً بين الحديثين.

قال: (ولا يجوز أن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع. والرؤية تختص بالأفعال؛ كالقتل والغصب والسرقة وشرب الخمر والرضاع والولادة وغيرهما. والسماع على ضربين: سماع من المشهود عليه نحو: الإقرار والعقود والطلاق والعتاق، وسماع من جهة الاستفاضة فيما يتعذر علمه في الغالب إلا بذلك؛ كالنسب والموت والملك والنكاح والخلع والوقف ومصرفه والعتق والولاء والولاية والعزْل وما أشبه ذلك).

أما كون الشاهد لا يجوز أن يشهد إلا بما يعلمه؛ فلأن الله تعالى قال: {ولا تقفُ ما ليس لك به علم} [الإسراء: ٣٦]، وفي الحديث عن ابن عباس قال: «سُئلَ


(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٦٣١٧) ٦: ٢٤٦٣ كتاب الأيمان والنذور، باب إثم من لا يفي بالنذر.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه (١٧١٩) ٣: ١٣٤٤ كتاب الأقضية، باب بيان خير الشهود.
وأخرجه أبو داود في سننه (٣٥٩٦) ٣: ٣٠٤ كتاب الأقضية، باب في الشهادات.

<<  <  ج: ص:  >  >>