لِثُبُوتِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ حَتَّى آمَنَا بِهِ.
كَذَا فِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: لِثُبُوتِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ حَتَّى آمَنَا بِهِ إلَخْ.
يَعْنِي لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا لِمَنْ طَعَنَ فِيهِ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ فَآمَنَا بِهِ خُصُوصِيَّةً لَهُمَا وَمَحَلُّ كَوْنِ الْإِيمَانِ لَا يَنْفَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي غَيْرِ الْخُصُوصِيَّةِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَغِيبِهَا فَعَادَ الْوَقْتُ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ أَدَاءً كَرَامَةً لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَذَا هَذَا كَذَا فِي شَرْحِ الْهَمْزِيَّةِ لِابْنِ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيِّ هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي أَبَوَيْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ مَاتَا عَلَى الْكُفْرِ أَمْ لَا فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ جَمْعٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّيْسِيرِ وَذَهَبَ إلَى الثَّانِي جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مُتَمَسِّكِينَ بِأَحَادِيثَ دَالَّةٍ عَلَى طَهَارَةِ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ دَنَسِ الشِّرْكِ وَشَيْنِ الْكُفْرِ، وَنَفَرٌ مِنْ الْجَمِيعِ الْأَوَّلِ قَالُوا بِنَجَاتِهِمَا مِنْ النَّارِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَآمَنَا بِهِ فَإِنْ قُلْتَ: أَلَيْسَ الْحَدِيثُ الَّذِي وَرَدَ فِي إحْيَائِهِمَا مَوْضُوعًا؟ قُلْتُ: زَعَمَهُ بَعْضُ النَّاسِ إلَّا أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا مَوْضُوعٌ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْحَافِظُ نَاصِرُ الدِّينِ الدِّمَشْقِيُّ حَيْثُ قَالَ:
حَبَا اللَّهُ النَّبِيَّ مَزِيدَ فَضْلٍ ... عَلَى فَضْلٍ فَكَانَ بِهِ رَءُوفَا
فَأَحْيَا أُمَّهُ وَكَذَا أَبَاهُ ... لِإِيمَانٍ بِهِ فَضْلًا لَطِيفَا
فَسَلِّمْ فَالْقَدِيمُ بِهِ قَدِيرٌ ... وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ بِهِ ضَعِيفَا
نَصَّ عَلَى كَوْنِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ضَعِيفًا لَا مَوْضُوعًا وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فِي السِّيرَةِ رُوِيَ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَآمِنَةَ بْنَةَ وَهْبٍ أَبَوَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْلَمَا وَأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ فَآمَنَا بِهِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي حَقِّ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أُمِّي فَقَالَ أُمُّك فِي النَّارِ قُلْتُ فَأَيْنَ مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِكَ قَالَ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ مَعَ أُمِّي» ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْجَمْعِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ دَرَجَةً حَصَلَتْ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، وَأَنْ يَكُونَ الْإِحْيَاءُ وَالْإِيمَانُ مُتَأَخِّرًا عَنْ ذَلِكَ فَلَا مُعَارَضَةَ انْتَهَى مُلَخَّصًا.
وَسَأَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَحَدَ الْأَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute