لِلْحَدِيثِ الْحَسَنِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» قَالَ الْأُصُولِيُّونَ: إنَّهُ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْحَقِيقَةِ بِدَلَالَةِ ١٠ - مَحَلِّ الْكَلَامِ ١١ -؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْخَطَأِ وَأَخَوَيْهِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ، فَالْمُرَادُ حُكْمُهَا، وَهُوَ نَوْعَانِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
حَيْثُ كَانَ النِّسْيَانُ مُسْقِطًا لِلْإِثْمِ مُطْلَقًا فَمَا مَعْنَى الدُّعَاءِ بِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦] قُلْت الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ أَحْسَنُهَا أَنَّ النِّسْيَانَ مِنْهُ مَا يُعْذَرُ صَاحِبُهُ فِيهِ، وَمِنْهُ مَا لَا يُعْذَرُ، فَمَنْ رَأَى دَمًا فِي ثَوْبِهِ وَأَخَّرَ إزَالَتَهُ إلَى أَنْ نَسِيَ فَصَلَّى، وَهُوَ عَلَى ثَوْبِهِ عُدَّ مُقَصِّرًا إذْ كَانَ يَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى إزَالَتِهِ، وَكَذَا إذَا تَغَافَلَ عَنْ تَعَاهُدِ الْقُرْآنِ حَتَّى نَسِيَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَلُومًا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَاظَبَ عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ نَسِيَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مَعْذُورًا فَثَبَتَ أَنَّ النَّاسِيَ قَدْ لَا يَكُونُ مَعْذُورًا، وَذَلِكَ إذَا تَرَكَ التَّحَفُّظَ، وَأَعْرَضَ عَنْ أَسْبَابِ التَّذَكُّرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَحَّ طَلَبُ غُفْرَانِهِ بِالدُّعَاءِ، وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ ذَكَرَ النِّسْيَانَ وَالْخَطَأَ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا مَا هُمَا مُسَبَّبَانِ عَنْهُ كَذَا فِي غَرَائِبِ الْقُرْآنِ وَرَغَائِبِ الْفُرْقَانِ.
(٩) قَوْلُهُ: لِلْحَدِيثِ الْحَسَنِ.
أَقُولُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
(١٠) قَوْلُهُ: بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ.
أَيْ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ غَيْرُ مُرَادَةٍ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ حَيْثُ لَا يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ النَّخْلَةَ بَلْ ثَمَرَهَا بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ وَهِيَ النَّخْلَةُ؛ لِأَنَّ أَكْلَهَا مُتَعَذِّرٌ فَيَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى مَمَرِّهَا مَجَازًا بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ حَتَّى لَوْ أَكَلَ مِنْ النَّخْلَةِ لَا يَحْنَثُ.
(١١) قَوْلُهُ: لِأَنَّ عَيْنَ الْخَطَأِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ.
يَعْنِي بَلْ وَاقِعٌ وَالنَّبِيُّ مَعْصُومٌ مِنْ الْكَذِبِ فَصَارَ ذِكْرُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مَجَازًا عَنْ حُكْمِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute