وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَرَاهَةِ وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخَذُوا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْفُقَرَاءِ.
وَمَنْ لَهُ عَلَى فَقِيرٍ دَيْنٌ وَأَرَادَ جَعْلَهُ عَنْ زَكَاةِ الْعَيْنِ
١٢ - فَالْحِيلَةُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَأْخُذَهُ مِنْهُ عَنْ دَيْنِهِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
يَعْنِي حَتَّى يَكُونَ النِّصَابُ نَاقِصًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ أَوْ يَهَبَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ يَهَبَ الدَّرَاهِمَ كُلَّهَا لَهُ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ. وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِيَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهَبَ مَالَهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ لِزَوْجَتِهِ ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِتَسْقُطَ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَذَكَرَ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ هَذَا مِنْ فِقْهِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ. كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَوْلُهُ أَوْ يَهَبَ النِّصَابَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ هَذَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدَنَا (انْتَهَى) . وَرَدَّهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ صَحِيحٌ فِي صُورَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي فَنِّ الْأَلْغَازِ مِنْ الْهِبَةِ مِنْ أَنَّ الْوَلَدَ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لِلْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِيهَا فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى ذَلِكَ (انْتَهَى) . أَقُولُ: حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي فَنِّ الْأَلْغَازِ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحِيلَةِ الْخَلَاصُ بِكُلِّ حَالٍ فَلَا يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى صُورَةٍ نَادِرَةٍ وَإِنَّمَا كَانَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا وَقَعَتْ لِلْمَالِكِ لَا لِلْوَلَدِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْوَاهِبِ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مَلَكَ هَذَا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ تَحَقُّقُ الْحِيلَةِ فِي مَنْعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى الرُّجُوعِ فَالتَّعَلُّقُ بِهِ
(لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) لِأَنَّ الْوَلَدَ وَإِنْ مَلَكَ الْمَالَ بِالْهِبَةِ وَامْتَنَعَ الرُّجُوعُ فَالْأَبُ يَتَمَلَّكُ مَالَ وَلَدِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيكَ» . فَلَمْ تُعَرَّ. الْحِيلَةُ بِالْهِبَةِ إلَى الْوَلَدِ عَنْ فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى سُقُوطِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(١١) قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَرَاهَةِ. أَقُولُ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَفِي التَّنْوِيرِ أَنَّهُ يُفْتَى بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الشُّفْعَةِ وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الزَّكَاةِ.
(١٢) قَوْلُهُ: فَالْحِيلَةُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَأْخُذَهُ مِنْهُ عَنْ دَيْنِهِ. لِأَنَّهُ لَا يَتَأَدَّى بِالدَّيْنِ زَكَاةُ الْعَيْنِ وَلَا زَكَاةُ دَيْنٍ آخَرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute