الْحَجُّ تَطَوُّعًا أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
تَحْتَ قَوْلِهِ (هَدْيُ) لِيَحْتَاجَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ فَلَا يُؤْكَلُ مِنْهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ فَالْقَرَابَةُ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ، وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ فَهِيَ بِالتَّصَدُّقِ، وَالْأَكْلُ يُنَافِيهِ. وَأَفَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا كَدِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ كُلِّهَا وَالنُّذُورِ وَهَدْيِ الْإِحْصَارِ. وَكَذَا مَا لَيْسَ بِهَدْيٍ كَالتَّطَوُّعِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْحَرَمَ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلْأَغْنِيَاءِ لِأَنَّ دَمَ النُّذُورِ دَمُ صَدَقَةٍ وَكَذَا دَمُ الْكَفَّارَاتِ لِأَنَّهُ وَجَبَ تَكْفِيرًا لِلذَّنْبِ، وَكَذَا دَمُ الْإِحْصَارِ لِوُجُودِ التَّحَلُّلِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَ أَوَانِهِ. كَذَا فِي الْبَحْرِ
(٦) قَوْلُهُ: الْحَجُّ تَطَوُّعًا أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ إلَخْ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: أَطْلَقَ الْعِبَارَةَ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِقَدْرِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي تُنْفَقُ فِي الْحَجِّ وَأَمَّا أَفْضَلِيَّتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّصَدُّقِ وَلَوْ بِأَمْوَالٍ عَظِيمَةٍ مَهْمَا بَلَغَتْ فَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ يَخُصُّهُ كَمَا لَا يَخْفَى (انْتَهَى) .
أَقُولُ مَا تَرَجَّاهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الْبَزَّازِيِّ فِي جَامِعِهِ حَيْثُ قَالَ الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ تَطَوُّعًا. كَذَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ. لَكِنَّهُ لَمَّا حَجّ وَعَرَفَ الْمَشَقَّةَ أَفْتَى بِأَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ. وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَوْ حَجَّ نَفْلًا وَأَنْفَقَ أَلْفًا فَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَذِهِ الْأَلْفِ عَلَى الْمَحَاوِيجِ فَهُوَ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً فَلَيْسَ أَفْضَلُ مِنْ إنْفَاقِ أَلْفٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَشَقَّةُ فِي الْحَجِّ كُلَّمَا كَانَتْ عَائِدَةً إلَى الْمَالِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا فُضِّلَ فِي الْمُخْتَارِ عَلَى الصَّدَقَةِ (انْتَهَى) .
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: الْمُخْتَارُ أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَطَوُّعًا يَعُودُ نَفْعُهَا إلَى غَيْرِهِ وَالْحَجُّ لَا. أَقُولُ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ يُذْكَرُ، وَحَمْلُ النَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ لِمَا يُسْتَذْكَرُ أَذْكَرَتْنِي رِوَايَةَ أَفْضَلِيَّةِ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ عَلَى الْحَجِّ التَّطَوُّعِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ عَرَبِي فِي كِتَابِ الْمُسَامَرَاتِ بِسَنَدِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ قَدْ حُبِّبَ إلَيْهِ الْحَجُّ قَالَ: فَحَدَّثْتُ أَنَّهُ وَرَدَ الْحَاجُّ فِي بَعْضِ السِّنِينَ إلَى بَغْدَادَ فَعَزَمْتُ إلَى الْخُرُوجِ مَعَهُمْ إلَى الْحَجِّ فَأَخَذْتُ فِي كُمِّي خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ وَخَرَجْتُ إلَى السُّوقِ أَشْتَرِي آلَةَ الْحَجِّ، فَبَيْنَا أَنَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ عَارَضَتْنِي امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ تَعَالَى إنِّي امْرَأَةٌ شَرِيفَةٌ وَلِي بَنَاتٌ عُرَاةٌ وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ مَا أَكَلْنَا شَيْئًا. قَالَ: فَوَقَعَ كَلَامُهَا فِي قَلْبِي فَطَرَحْت خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ فِي طَرَفِ إزَارِهَا وَقُلْتُ: عُودِي إلَى بَيْتِكَ فَاسْتَعِينِي بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ عَلَى وَقْتِك، فَحَمِدْتُ اللَّهَ تَعَالَى وَانْصَرَفْتُ، وَنَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِي حَلَاوَةَ الْخُرُوجِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَخَرَجَ النَّاسُ وَحَجُّوا وَعَادُوا، فَقُلْتُ أَخْرُجُ لِلِقَاءِ الْأَصْدِقَاءِ وَالسَّلَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute