للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[غمز عيون البصائر]

وَلِلْأَجِيرِ أَجْرُ مِثْلِهِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ لَيْسَتْ يَسْتَحِقُّهَا بِطَرِيقِ الْعِوَضِ بَلْ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِعَمَلٍ يَنْتَفِعُ الْمُسْتَأْجِرُ بِهِ. هَذَا وَإِنَّمَا جَازَ الْحَجُّ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بَقِيَ الْآمِرُ بِالْحَجِّ فَيَكُونُ لَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ وَبِهِ عَبَّرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي (انْتَهَى) .

وَأُجِيبَ عَنْ قَاضِي خَانْ بِأَنَّهُ أَرَادَ مَا قَالَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ، غَيْرَ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِمُشَاكَلَةِ صِيغَةِ الْعِبَارَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِلَفْظِ الْإِجَارَةِ، وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ (انْتَهَى) .

وَفِيهِ أَنَّ الْمُشَاكَلَةَ إنَّمَا تَحْسُنُ فِي الْمَقَامَاتِ الْخَطَابِيَّةِ لَا فِي إفَادَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِثَابَةَ لِلْحَجِّ عَنْ غَيْرِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ النَّفَقَةَ الْمَدْفُوعَةَ إلَيْهِ بِالِاسْتِثَابَةِ وَالْأَجِيرُ يَمْلِكُ الْأُجْرَةَ الْمُعَجَّلَةَ لَوْ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَإِنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ فَلِعَدَمِ مِلْكِ مَا عُجِّلَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى الْحَجِّ بِرَدِّ الْفَاضِلِ مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ عَدَمُ وُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ، بَلْ يَقَعُ عَنْهُ لِمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ بَقِيَ الْإِذْنُ بِالْحَجِّ عَنْهُ فَيَصِحُّ عَنْهُ وَيَسْتَحِقُّ النَّائِبُ نَفَقَةَ مِثْلِهِ مِنْ تِلْكَ الْأُجْرَةِ بِحَسَبِ الْحَالِ، فَكَانَ مِثْلَ قَوْلِ أَئِمَّتِنَا الْكَفَالَةُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ حَوَالَةٌ، وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ عَدَمِ الْبَرَاءَةِ كَفَالَةٌ اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ لِحَجِّ إنَابَةٍ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى لِصِحَّةِ الْحَجِّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْمَالَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: مَا يَجُوزُ فِيهِ الْأَرْزَاقُ وَالْإِجَارَةُ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا، وَمَا يَمْتَنِعُ فِيهَا الْإِجَارَةُ دُونَ الْأَرْزَاقِ كَالْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ، وَمَا اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْإِجَارَةِ فِيهِ دُونَ الْأَرْزَاقِ كَالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَالْحَجِّ. وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ الِاسْتِئْجَارَ بِالنَّفَقَةِ لِلْجَهَالَةِ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ قِيَاسًا عَلَى اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ بِطَعَامِهَا. وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَأَخَّرَ وَمَاتَ عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ يَأْثَمُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُؤَخِّرْهُ فَخَرَجَ مَعَ النَّاسِ عَامَ وُجُوبِهِ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِهِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ. كَذَا فِي الْمَنْبَعِ ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ صَامَ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ فَمَاتَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِفِدْيَةِ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ كَامِلًا انْتَهَى.

قِيلَ: يُنْظَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا فَإِنْ لَمْ يُؤَخِّرْهُ فَهُوَ كَالْحَجِّ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي نَفْيِ لُزُومِ الْإِيصَاءِ فِيهِمَا (انْتَهَى) .

أَقُولُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الصَّوْمِ شُرِعَ وَفِي الْحَجِّ لَمْ يُشْرَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ فِدْيَةُ الْيَوْمِ كَامِلًا لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ فَكَذَا فَدِيَتُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>