وَفَرَّعْت عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ مَا دَامَ يَسْعَى وَعِنْدَهُمَا حُرٌّ مَدْيُونٌ فِي الْكُلِّ
ــ
[غمز عيون البصائر]
سِعَايَتِهِ رَقِيقًا، لِلنَّصِّ عَلَى حُرِّيَّةِ الْمُدَبَّرِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ سَيِّدِهِ.
وَصَاحِبُ الْكَافِي قَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ مَا يُخَالِفُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ لِظُهُورِ وَجْهِهِ بِنَصِّ الشَّارِعِ.
رَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ»
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَانْعَقَدَ التَّدْبِيرُ سَبَبًا فِي الْحَالِ لِلْعِتْقِ وَتَعَلَّقَ بِمُطْلَقِ الْمَوْلَى فَيُعْتَقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى بِكَلَامِهِ لَا بِكَلَامٍ آخَرَ، فَاسْتَحَالَ تَوَقُّفُهُ عَلَى شَيْءٍ غَيْرِ شَرْطِهِ، فَمَنْ نَصَّ عَلَى تَوَقُّفِ عِتْقِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا إلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ لَمْ يُحَرِّرْ الْمَنَاطَ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ عَدَمِ تَسْلِيمِ إسْنَادِهِ لِلْإِمَامِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَأْخُوذًا مِنْ التَّشْبِيهِ فِي حَالِ السِّعَايَةِ بِالْمُكَاتَبِ.
كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَئِنْ سَلَّمَ وَصَحَّ نَقْلُهُ عَنْ الْإِمَامِ نَصًّا فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّقْلُ، وَالْوَجْهُ الْمُوَافِقُ نَصُّ الشَّارِعِ وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ: وَهَكَذَا الْمُنْجَزُ عِتْقُهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ فِي زَمَنِ سِعَايَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي شَهَادَةِ الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا. وَعِبَارَتُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُدَبَّرِ (انْتَهَى) .
وَوَصْفُهُ بِالْمُدَبَّرِ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ حُرٌّ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ.
وَقَدْ تَلَخَّصَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مُحَرَّرًا أَنَّ الْمُدَبَّرَ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ يَسْعَى وَهُوَ حُرٌّ وَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ، وَكَذَا الْمُعْتَقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَالْمُعْتَقُ عَلَى مَالٍ أَوْ خِدْمَةٍ إذَا قَبِلَ الْمَالَ وَالْخِدْمَةَ حُرٌّ لَهُ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ (انْتَهَى) .
وَهُوَ حَقِيقٌ بِالْقَبُولِ حَقِيقٌ بِالْعَضِّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ؛ وَلِلَّهِ دَرُّ الْعَلَّامَةِ ابْنِ مَالِكٍ حَيْثُ يَقُولُ فِي خُطْبَةِ كِتَابِهِ التَّسْهِيلِ: وَإِذَا كَانَتْ الْعُلُومُ مِنَحًا إلَهِيَّةً وَمَوَاهِبَ اخْتِصَاصِيَّةً فَغَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ أَنْ يَظْهَرَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ.
(٣٠) قَوْلُهُ:
وَفَرَّعْت عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ مَا دَامَ يَسْعَى إلَخْ.
أَقُولُ لَا يَخْفَى عَدَمُ صِحَّةِ التَّفْرِيعِ الْمَذْكُورِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ تَسْلِيمِ إسْنَادِ الْأَصْلِ الْمُفَرَّعِ عَلَيْهِ إلَى الْإِمَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ