للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ إنْ شَتَمْته فِي الْمَسْجِدِ أَوْ رَمَيْت إلَيْهِ، فَشَرْطُ حِنْثِهِ كَوْنُ الْفَاعِلِ فِيهِ.

ــ

[غمز عيون البصائر]

بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان وَهُوَ يَسْتَدْعِي مَفْعُولًا فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّرْطُ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا فَإِنْ كَانَ قَوْلًا فَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ الْفَاعِلِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى وُجُودِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَحَلِّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ يَتِمُّ بِالْفَاعِلِ وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَ فِعْلًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتِمَّ بِالْفَاعِلِ وَحْدَهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَثَرٌ فِي الْمَحَلِّ أَوْ لَا يَتِمَّ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ أَثَرٌ فِي الْمَحَلِّ.

فَفِي الْأَوَّلِ يُكْتَفَى بِوُجُودِ الْفَاعِلِ وَحْدَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ الزَّمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَوْلِ وَفِي الثَّانِي يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَفْعُولُ خَاصَّةً، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ لَا بُدَّ بَيْنَهُمَا مِنْ عَلَاقَةٍ بِهَا يُسَمَّى الْفَاعِلُ فَاعِلًا وَالْمَفْعُولُ مَفْعُولًا وَهُوَ الْفِعْلُ الصَّادِرُ مِنْ الْفَاعِلِ الْوَاقِعِ عَلَى الْمَفْعُولِ، ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ سُمِّيَ مَفْعُولًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ فِيهِ فَالْعَلَاقَةُ نَفْسُ الْفِعْلِ فَيُكْتَفَى بِوُجُودِ الْفَاعِلِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَفْعُولًا إلَّا بِأَثَرِ ذَلِكَ فَالْعَلَاقَةُ نَفْسُ الْفِعْلِ مَعَ أَثَرِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ مَنْ قَامَ بِهِ ذَلِكَ الْأَثَرُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا اعْتَبَرْت وُجُودَهُمَا جَمِيعًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُؤَثِّرَ إنْ لَمْ يَتِمَّ بِالْفَاعِلِ وَحْدَهُ كَذَا لَا يَتِمُّ بِالْمَفْعُولِ وَحْدَهُ، فَوَجَبَ أَنْ يُشْتَرَطَ وُجُودُهُمَا. قُلْنَا سَلَّمْنَا التَّعَارُضَ وَرَجَّحْنَا الْمَفْعُولَ الَّذِي هُوَ الْمَحَلُّ الْقَائِمُ بِالْأَثَرِ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ هُوَ الْمَقْصُودُ الذَّاتِيُّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي يُنْفَى بِالْيَمِينِ هُوَ أَثَرُ الْفِعْلِ لَا ذَاتُهُ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ وَقُبْحَهُ بِاعْتِبَارِ أَثَرِهِ لَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ، وَلِهَذَا يُسَمَّى الْفِعْلُ بِاعْتِبَارِ أَثَرِهِ فَإِنَّهُ لَوْ رَمَى بِحَجَرٍ فَأَصَابَ قَارُورَةً سُمِّيَ كَسْرًا وَلَوْ أَصَابَ إنْسَانًا وَمَاتَ سُمِّيَ قَتْلًا وَلَوْ لَمْ يَمُتْ سُمِّيَ جُرْحًا أَوْ شَجًّا أَوْ ضَرْبًا فَلِهَذَا رَجَّحْنَا مَنْ قَامَ بِالْمَقْصُودِ. وَكَذَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْفَخْرِ الْمَارْدِينِيِّ.

(٥٢) قَوْلُهُ: قَالَ إنْ شَتَمْته فِي الْمَسْجِدِ أَوْ رَمَيْت إلَيْهِ إلَخْ يَعْنِي إذَا قَالَ الرَّجُلُ إنْ شَتَمْتُك فِي الْمَسْجِدِ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَشَتَمَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَشْتُومُ خَارِجَهُ يَحْنَثُ وَبِالْعَكْسِ لَا، لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّتْمَ يَتِمُّ بِالشَّاتِمِ وَحْدَهُ إذْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْأَقْوَالِ وَلِهَذَا يُشْتَمُ الْغَائِبُ وَالْمَيِّتُ، وَالثَّانِي أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ هَذَا الْيَمِينِ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْ الْفُحْشِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِكَوْنِهِ فِيهِ فَكَانَ مِنْ تَمَامِ شَرْطِ الْحِنْثِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: إنْ رَمَيْت إلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ الْمَقْرُونَ بِإِلَى لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِصَابَةُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الشَّتْمِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>