للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَصْفُ الْمُعْتَادُ مُعْتَبَرٌ فِي الْغَائِبِ لَا فِي الْعَيْنِ

ــ

[غمز عيون البصائر]

كَفُورًا. وَإِنْ دَخَلَتْ بَيْنَ إيجَابَيْنِ كَانَ الْمُرَادُ أَحَدَهُمَا كَآيَةِ التَّكْفِيرِ. وَمُوجَبُهُ التَّخْيِيرُ لَا الشَّكُّ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ يَقَعُ فِي الْأَخْبَارِ لَا فِي الْإِنْشَاءِ، لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَهَذَا الْفَصْلُ هُوَ الْأَصْلُ فِي مَوْضُوعِ (أَوْ) فَإِنَّهَا لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَضْعًا أَمَّا عُمُومُ النَّفْيِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ بَلْ بِاعْتِبَارِ الِاسْتِعَارَةِ. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ: قَدْ تُسْتَعَارُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ لِلْعُمُومِ بِدَلَالَةٍ تَقْتَرِنُ بِهَا فَتَصِيرُ شَبِيهَةً بِوَاوِ الْعَطْفِ ثُمَّ مَثَّلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] . ثُمَّ أَشَارَ إلَى فَرْقٍ لَطِيفٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي الْعُدُولِ عَنْ الْوَاوِ الْمُشَبَّهَةِ بِهَا هُوَ أَنَّهُ عَلَى مُقْتَضَى كَلِمَةِ (أَوْ) تَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِطَاعَةِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ وَعَلَى مُقْتَضَى الْوَاوِ لَا يَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِطَاعَةِ أَحَدِهِمَا بَلْ بِطَاعَتِهِمَا. كَقَوْلِهِ: لَا تَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ. فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ. وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَلِمَةَ أَوْ فِي الْآيَةِ أَيْضًا مُتَنَاوِلَةً أَحَدَهُمَا عَلَى بَابِهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ مَا قَالَ فِي الْكَشَّافِ وَلَفْظُهُ: فَإِنْ قُلْت مَعْنَى (أَوْ) وَلَا تُطِعْ أَحَدَهُمَا فَلَا جِيءَ بِالْوَاوِ لِيَكُونَ نَهْيًا عَنْ طَاعَتِهِمَا جَمِيعًا، قُلْت: لَوْ قِيلَ: لَا تُطِعْهُمَا لَجَازَ أَنْ يُطِيعَ أَحَدَهُمَا فَإِذَا قِيلَ لَا تُطِعْ أَحَدَهُمَا عُلِمَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ طَاعَةِ أَحَدِهِمَا هُوَ عَنْ طَاعَتِهِمَا جَمِيعًا (انْتَهَى) .

كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] إذَا نَهَى عَنْ أَنْ يَقُولَ لِأَبَوَيْهِ أُفٍّ عُلِمَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ ضَرْبِهِمَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى انْتَهَى كَلَامُهُ. فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ وَضْعِ (أَوْ) لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ نَفْيًا كَانَ أَوْ إيجَابًا.

وَقَوْلُهُ فِي الْإِثْبَاتِ تَخُصُّ، مُنْتَقِضٌ بِالْإِبَاحَةِ، فَإِنَّهَا إثْبَاتٌ وَكَلِمَةُ (أَوْ) فِيهَا تُفِيدُ الْعُمُومَ كَقَوْلِهِمْ جَالِسِ الْفُقَهَاءَ أَوْ الْمُحَدِّثِينَ. وَفِي التَّلْوِيحِ: التَّحْقِيقُ أَنَّ (أَوْ) لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَجَوَازُ الْجَمْعِ وَامْتِنَاعِهِ بِحَسَبِ مَحَلِّ الْكَلَامِ وَدَلَالَةِ الْقَرَائِنِ (انْتَهَى) .

وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْأُصُولِ الْفِقْهِيَّةِ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا، يَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا وَبِهِمَا وَلَا يَتَخَيَّرُ فِي التَّعْيِينِ وَعُمُومُهُمَا عَلَى الْإِفْرَادِ لَا عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ فَيَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِ الْوَاوِ.

(٦٩) قَوْلُهُ: الْوَصْفُ الْمُعْتَادُ يُعْتَبَرُ فِي الْغَائِبِ لَا فِي الْعَيْنِ أَيْ الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَصْفِ التَّعْرِيفُ، وَالْإِشَارَةُ فِي الْمُعَيَّنِ أَبْلَغُ مِنْ الْوَصْفِ فِي التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ الِاشْتِرَاكَ وَالْوَصْفَ وَلِأَنَّ تَعْرِيفَهَا مِنْ جِهَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْعَيْنِ وَمَنْ الْقَلْبِ وَتَعْرِيفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>