للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَتَى وُجِدَتْ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ

ــ

[غمز عيون البصائر]

فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ التَّكْفِيرَ وَوَجْهٌ لَا يُوجِبُ، فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْنَعُهُ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ نِيَّةُ الْقَائِلِ ذَلِكَ فَهُوَ مُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَتْ نِيَّةُ الْوَجْهِ الَّذِي يُوجِبُ الْكُفْرَ لَا يَنْفَعُهُ حَمَلَ الْمُفْتِي كَلَامَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ وَيُؤْمَرُ بِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ وَبِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ إنْ أَتَى بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ لَمْ يَنْفَعْهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَمَّا قَالَ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِتْيَانِ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ لَا يَرْتَفِعُ الْكُفْرُ (انْتَهَى) . وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ.

(٤) قَوْلُهُ: مَتَى وُجِدَتْ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ: يَعْنِي وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ ضَعِيفَةً كَمَا فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى الْكَنْزِ. أَقُولُ: وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ لِغَيْرِ أَهْلِ مَذْهَبِنَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اشْتِرَاطُ كَوْنِ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ. وَفِي شَرْحِهِ أَيْضًا مِنْ بَابِ الْبُغَاةِ يَقَعُ فِي كَرَمِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ تَكْفِيرٌ كَثِيرٌ لَكِنْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ غَيْرِهِمْ، وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ. نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ وَفِيهِ مِنْ بَابِ الْمُرْتَدِّينَ بَعْدَ كَلَامٍ سَاقَهُ ثُمَّ قَالَ: الَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِتَكْفِيرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ اخْتِلَافٌ، وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً، فَعَلَى هَذَا فَأَكْثَرُ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الْفَتَاوَى لَا يُفْتَى بِهَا. قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ: وَقَدْ أَلْزَمْت نَفْسِي أَنْ لَا أُفْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْهَا.

وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ قُبَيْلَ هَذَا مَا لَفْظُهُ: وَفِي الْفَتْحِ وَمَنْ هَزَلَ بِلَفْظِ كُفْرٍ ارْتَدَّ لِكَوْنِهِ اسْتِخْفَافًا فَهُوَ كَكُفْرِ الْعِنَادِ وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي يُكَفَّرُ بِهَا تُعْرَفُ فِي كُتُبِ الْفَتَاوَى (انْتَهَى) .

فَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَلْفَاظَ التَّكْفِيرِ الْمَعْرُوفَةَ فِي الْفَتَاوَى مُوجِبَةٌ لِلرِّدَّةِ حَقِيقَةً. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَيُحْكَى عَنْ بَعْضِ مَنْ لَا سَلَفَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ يَكْفُرُ بِكَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ لِلتَّخْوِيفِ وَالتَّهْوِيلِ لَا لِحَقِيقَةِ الْكُفْرِ وَهَذَا بَاطِلٌ (انْتَهَى) .

وَالْحَقُّ أَنَّ مَا صَحَّ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ فَهُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَمَّا مَا ثَبَتَ عَنْ غَيْرِهِمْ فَلَا يُفْتَى بِهِ فِي مَسْأَلَةِ التَّكْفِيرِ. وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ الَّذِي صَحَّ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْخَوَارِجِ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ. وَيَقَعُ فِي كَلَامٍ كَثِيرٍ تَكْفِيرُهُمْ، لَكِنْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِمْ وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ (انْتَهَى)

<<  <  ج: ص:  >  >>