للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْقَاضِي قَضَيْت بِكَذَا عَلَيْك بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ يُقْبَلُ

ــ

[غمز عيون البصائر]

إلَى قَاضِي ذَلِكَ الْبَلَدِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مِنْ شُهُودِهِ وَلَا يَكْتُبُ لَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: جَحَدَنِي الِاسْتِيفَاءَ مَرَّةً وَخَاصَمَنِي مَرَّةً، فَأَنَا أَخَاف أَنْ يُخَاصِمنِي مَرَّةً أُخْرَى فَاسْمَعْ مِنْ شُهُودِي، وَاكْتُبْ لِي إلَى قَاضِي ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنَّهُ يَكْتُبُ. كَذَا فِي شَرْحِ الْجَلْبِ

(٢٦٨) قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَاضِي قَضَيْت بِكَذَا عَلَيْك إلَخْ. وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي فِيمَا يُخْبِرُ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ كَمَا لَوْ قَالَ: ثَبَتَ عِنْدِي زِنَا فُلَانٍ وَإِحْصَانُهُ فَارْجُمُوهُ. أَوْ ثَبَتَ عِنْدِي قَتْلُهُ فَاقْتُلُوهُ. ثَبَتَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ: مُحَمَّدٌ: لَا يُصَدَّقُ الْقَاضِي فِيمَا أَخْبَرَ حَتَّى يَعْرِفَ الْحُجَّةَ الَّتِي بِهَا يَقْضِي. قَالُوا: هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ الَّذِي شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخَيْرِيَّةِ فَكَانَ الْغَالِبُ مِنْهُمْ الصَّلَاحَ، وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ، وَقَدْ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْفَضْلَةِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ شَاهِدٌ آخَرُ احْتِيَاطًا لِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ اخْتِلَافَ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ.

مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: هَذَا قَوْلُ وَاحِدٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ عَنْ الْكَذِبِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً كَالشَّهَادَةِ، وَهُمَا يَقُولَانِ: الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّائِبُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَنُوبِ مِنْهُ، وَقَوْلُ الْمَنُوبِ عَنْهُ هُوَ حُجَّةٌ عَلَى الِانْفِرَادِ فَكَذَا هَذَا. كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي، وَإِنَّمَا يَتِمُّ قَوْلُهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ وَمُحَمَّدٌ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقَرْنَ دُونَ الْمِائَةِ. قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي بَعْدَ كَلَامٍ: وَيُطْلَقُ الْقَرْنُ عَلَى مُدَّةٍ مِنْ الزَّمَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِهَا مِنْ عَشْرَةِ أَعْوَامٍ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالتِّسْعِينَ وَلَا بِالْمِائَةِ وَعَشْرَةٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ قَالَ بِهِ قَائِلٌ. وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ الثَّلَاثِينَ وَالْمِائَتَيْنِ. وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَرْنَ مِائَةٌ وَهُوَ مَشْهُورٌ (انْتَهَى) . وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِيِّ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى أَنَّ الْقَرْنَ ثَلَاثُونَ سَنَةً.

هَذَا، وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِقْرَارِ فَيَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ بِشَيْءٍ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ كَالْمَحْدُودِ وَغَيْرِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيمَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ هُوَ فِي الْبَحْرِ فَفِي كَلَامِهِ إطْلَاقٌ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>