الْوَكَالَةُ مَشْرُوطَةً فِي الرَّهْنِ، وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ غَائِبًا فَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا بِالْعَزْلِ فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ وَعَلِمَ مَا فِيهِ انْعَزَلَ، وَكَذَا إذَا أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا كَائِنًا مَنْ كَانَ الرَّسُولُ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا بَعْدَ أَنْ يُبَلِّغَ الرِّسَالَةَ وَيَقُولَ إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك يَقُولُ إنِّي عَزَلْتُكَ عَنْ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ، وَلَوْ لَمْ يَكْتُبْ إلَيْهِ وَلَا أَرْسَلَ إلَيْهِ وَلَكِنَّهُ عَزَلَهُ وَأَشْهَدَ عَلَى عَزْلِهِ وَالْوَكِيلُ غَائِبٌ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِالْعَزْلِ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ غَيْرُ عَدْلَيْنِ أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ انْعَزَلَ إجْمَاعًا سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْوَكِيلُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ إذَا ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ غَيْرُ عَدْلٍ فَإِنْ صَدَّقَهُ انْعَزَلَ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَنْعَزِلُ إذَا ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ.
وَأَمَّا الْعَزْلُ الْحُكْمِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى عِلْمِ الْوَكِيلِ وَيَنْعَزِلُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ نَحْوُ أَنْ يَمُوتَ الْمُوَكِّلُ أَوْ يُوَكِّلَ بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ إنَّهُ أَخْرَجَ الْعَبْدَ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ الْوَكِيلُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ وَهَبَهُ انْعَزَلَ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَإِنْ عَادَ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِ الْمَوْلَى إنْ عَادَ بِفَسْخٍ عَادَتْ الْوَكَالَةُ، وَإِنْ عَادَ بِحُكْمِ مِلْكٍ جَدِيدٍ لَمْ تَعُدْ قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ وَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ حَتَّى يَعْلَمَ) ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ نَهْيٌ وَالْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا فَعَلَى هَذَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ ثُمَّ عَزَلَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَبَاعَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ وَمَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ وَيَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى مَوْلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَزِلْ فَمَا تَصَرَّفَ فِيهِ فَهُوَ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَمَا لَزِمَهُ مِنْ الضَّمَانِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَمُتْ الْعَبْدُ وَلَكِنَّ الْمَوْلَى بَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ، وَإِنْ زَالَ بِهِ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ فَقَدْ عَزَلَ الْوَكِيلَ وَغَرَّهُ حِينَ لَمْ يُعْلِمْهُ بِالْعَزْلِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْغُرُورِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِ الْمُوَكِّلِ عَلَى حُكْمِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ مِثْلُ أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ جَازَ لِلْوَكِيلِ بَيْعُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمْ تَبْطُلْ؛ لِأَنَّهُ إنْ رَجَعَ إلَيْهِ عَلَى حُكْمِ مِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ مِثْلُ أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ بِإِقَالَةٍ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ دُخُولًا مُسْتَأْنَفًا كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً مُسْتَقْبَلًا.
(فَرْعٌ) رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ غَدًا كَانَ وَكِيلًا فِي الْغَدِ وَفِيمَا بَعْدَهُ وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا قَبْلَ الْغَدِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِطْلَاقَاتِ بِالْخَطَرِ جَائِزٌ كَالتَّوْكِيلِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ وَكَّلْتُك أَوْ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ وَكَّلْتُك وَكَالْإِذْنِ لِلْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَأَمَّا تَعْلِيقُ التَّمْلِيكَاتِ وَالتَّقْيِيدَاتِ بِالْخَطَرِ فَلَا يَجُوزُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدُّيُونِ وَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَالْحَجْرِ عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالرَّجْعَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِذَا قَالَ لِلْوَكِيلِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ عَزَلْتُك لَا يَنْعَزِلُ.
قَوْلُهُ (وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَبِجُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا وَبِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) هَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ أَمَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالْجُنُونِ كَمَا إذَا جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ إلَيْهَا فِي الطَّلَاقِ ثُمَّ جُنَّ، وَكَذَا الْعَدْلُ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَإِنَّمَا بَطَلَتْ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ مِنْ طَرِيقِ الْآمِرِ وَبِمَوْتِهِ وَجُنُونِهِ يَبْطُلُ أَمْرُهُ فَيَحْصُلُ تَصَرُّفُهُ بِغَيْرِ أَمْرٍ فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ أَفَاقَ مِنْ جُنُونِهِ تَعُودُ الْوَكَالَةُ كَذَا ذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ فِي بَابِ الْمَأْذُونِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ كَوْنَهُ مُطْبِقًا؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ وَالْإِغْمَاءُ مَرَضٌ وَالْمَرَضُ لَا يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ وَحَدُّ الْمُطْبِقِ شَهْرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا بِمَا يَسْقُطُ بِهِ الصَّوْمُ عَنْدَهُ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ حَوْلٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ فَقَدَّرَ بِهِ احْتِيَاطًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْكَرْخِيِّ حَدُّ الْمُطْبِقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ شَهْرٌ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ حَوْلٌ كَامِلٌ وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا أَكْثَرُ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَقَوْلُهُ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ، وَكَذَا وَكَالَتُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ.
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَتَصَرُّفَاتُهُ نَافِذَةٌ فَلَا تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ امْرَأَةً فَارْتَدَّتْ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَلْحَقَ وَيُحْكَمَ بِلَحَاقِهَا؛ لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا وَلَا تُزِيلُ أَمْلَاكَهَا، وَإِنْ جَاءَ الْمُرْتَدُّ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا قَبْلَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute