إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ أَوْ صَدَقَةُ مَا أَمْلِكُ أَجْزَأَهُ عَنْ ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ) وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِمَا سَمَّى أَيْضًا وَهَذَا إذَا كَانَ شَرْطًا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ بِأَنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَمَالِي صَدَقَةٌ أَوْ عَلَيَّ حَجَّةٌ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ وَهُوَ بِظَاهِرِهِ نَذْرٌ فَيَتَخَيَّرُ وَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شَرْطًا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ رَدَّ غَائِبِي فَشَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ أَوْ رَدَّ غَائِبَهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ بِلَا خِلَافٍ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْيَمِينِ فِيهِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ وَإِنْ قَالَ: إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَزِمَهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ
قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ الْكَعْبَةَ أَوْ الْمَسْجِدَ أَوْ الْبِيعَةَ أَوْ الْكَنِيسَةَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ هَذِهِ لَا تُسَمَّى بُيُوتًا فِي الْعَادَةِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانِ الِاسْمُ وَالْعَادَةُ وَلِأَنَّ الْبَيْتَ هُوَ مَا أُعِدَّ لِلْبَيْتُوتَةِ وَهَذِهِ الْبِقَاعُ مَا بُنِيَتْ لَهَا وَلَا يُقَالُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَسَاجِدَ بُيُوتًا فَقَالَ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: ٣٦] لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمُعْتَادُ دُونَ تَسْمِيَةِ الْقُرْآنِ
قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَتْ بِكَلَامٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «إنَّ هَذِهِ صَلَاتَنَا لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا يُؤْتَى بِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْأَذْكَارِ لَيْسَ بِكَلَامٍ فَلَا يَحْنَثُ وَكَذَا إذَا سَبَّحَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ هَلَّلَ أَوْ كَبَّرَ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ كَبَّرَ أَوْ هَلَّلَ أَوْ سَبَّحَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ حَنِثَ لِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ وَقِيلَ: فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بَلْ يُسَمَّى قَارِئًا أَوْ مُسَبِّحًا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَصَلَّى لَمْ يَحْنَثْ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْيَمِينِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَصَلَّى خَلْفَهُ فَسَهَا الْإِمَامُ فَسَبَّحَ بِهِ الْحَالِفُ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ بِالْقِرَاءَةِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى كَلَامًا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ الْكَلَامَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَهَذَا لَا يُبْطِلُهَا وَإِنْ فَتَحَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ هُوَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ خَلْفَهُ فَسَلَّمَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ سَلَامَ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِكَلَامٍ كَتَكْبِيرِهَا وَالْقِرَاءَةِ فِيهَا.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ فَنَظَرَ فِيهِ وَفَهِمَهُ وَلَمْ يَنْطِقْ فِيهِ بِشَيْءٍ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ وَالْأَيْمَانُ تَقَعُ عَلَى الْعُرْفِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ فَنَظَرَ فِيهَا حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا لَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ فَأَبُو يُوسُفَ سَوَّى بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: الْمَقْصُودُ مِنْ قِرَاءَةِ كِتَابِ فُلَانٍ فَهْمُ مَا فِيهِ وَقَدْ حَصَلَ بِالنَّظَرِ وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا عَيْنُ الْقِرَاءَةِ إذْ الْغَرَضُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الثَّوَابُ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ سُورَةً فَتَرَكَ مِنْهَا كَلِمَةً حَنِثَ وَإِنْ كَانَ آيَةً كَامِلَةً لَا يَحْنَثُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ فَقَرَأَهُ إلَّا سَطْرًا حَنِثَ وَكَأَنَّهُ قَرَأَهُ كُلَّهُ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الْوُقُوفُ عَلَى مَا فِيهِ فَإِنْ قَرَأَ نِصْفَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ: يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَنَّ اسْمَ الْيَوْمِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ وَالْكَلَامُ لَا يَمْتَدُّ وَإِنْ عَنَى بِهِ النَّهَارَ خَاصَّةً دُيِّنَ فِي الْقَضَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ وَأَنْ قَالَ: لَيْلَةَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ
قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ فَنَزَعَهُ فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ) وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ جُعِلَ لَابِسًا مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ إلَى أَنْ نَزَعَهُ وَلَنَا أَنَّ الْأَيْمَانَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَقَصْدُ الْإِنْسَانِ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَبَقَاءُ الثَّوْبِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْيَمِينِ إلَى أَنْ يَنْزِعَهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ يَمِينِهِ فَلِهَذَا لَمْ يَحْنَثْ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تُعْقَدُ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَحْلِفُ لِيَبَرَّ لَا لِيَحْنَثَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا بَيْنَ الْيَمِينِ وَالنَّزْعِ لَا يُمْكِنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute