للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا مَعَهُ عَلَى مَرْكَبِهِ مِنْ مَالِهِ فِي حَقِيبَتِهِ أَوْ عَلَى وَسَطِهِ، وَأَمَّا جَنِيبُهُ وَغُلَامُهُ وَمَا كَانَ مَعَ غُلَامِهِ عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى وَمَا كَانَ عَلَى فَرَسٍ آخَرَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِسَلَبٍ وَهُوَ غَنِيمَةٌ لِجَمِيعِ الْجَيْشِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ بَارَزَ الْمَرْزُبَانَ فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ سَلَبَهُ فَكَانَ عَلَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا جَوْهَرٌ فَقُوِّمَ عَلَيْهِ فَبَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ الْأَسْلَابَ وَإِنَّ هَذَا بَلَغَ مَالًا عَظِيمًا وَإِنَّا نَأْخُذُ خُمْسَهُ

قَوْلُهُ (وَإِذَا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْلِفُوا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَا يَأْكُلُوا مِنْهَا شَيْئًا) لِأَنَّ الضَّرُورَةَ وَالْحَاجَةَ إلَى ذَلِكَ قَدْ ارْتَفَعَتْ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُمْ يَجِدُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ الطَّعَامَ وَالْعَلَفَ فَلَا يُبَاحُ لَهُمْ التَّنَاوُلُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَوْلُهُ (وَمَنْ فَضَلَ مَعَهُ عَلَفٌ أَوْ طَعَامٌ رَدَّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ) لِأَنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ فَإِنْ انْتَفَعُوا بِشَيْءٍ مِنْ أَكْلٍ أَوْ عَلَفٍ فَيَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ غَنِيًّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ رَدُّ قِيمَتِهِ فِي الْمَغْنَمِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَدَّهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ الْغَنِيُّ إذَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَقَدْ يَعْذُرُ إيصَالُهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لِتَفَرُّقِ الْغَانِمِينَ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَيَرُدُّهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْغَيْرِ، وَأَمَّا بَعْدَهَا فَمُوجِبُهُ التَّصَدُّقُ وَهُوَ مَحَلٌّ لِلتَّصَدُّقِ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ

قَوْلُهُ (وَيَقْسِمُ الْإِمَامُ الْغَنِيمَةَ فَيُخْرِجُ خُمُسَهَا) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] قَوْلُهُ (وَيَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ) يَعْنِي سَهْمًا لَهُ وَسَهْمًا لِفَرَسِهِ (وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَهُوَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لِلْفَارِسِ ثَلَاثُ أَسْهُمٍ) مَعْنَاهُ سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْفَرَسِ أَكْثَرُ مِنْ مُؤْنَةِ الْآدَمِيِّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ سَهْمُهُ أَكْثَرَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْفَرَسِ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لِلْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَاتِ كَالْقَوْسِ وَالرُّمْحِ وَالسَّيْفِ وَالنَّصْلِ وَإِنَّمَا تُرِكَ الْقِيَاسُ لِلْخَبَرِ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ فِي بَعْضِهَا أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ أَعْطَاهُ ثَلَاثَةً» فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ أُسْقِطَ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ وَأُثْبِتَ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْفَارِسِ أَعْظَمُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْفَرَسِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَرَسَ بِانْفِرَادِهِ لَا يُقَاتِلُ وَالْفَارِسَ بِانْفِرَادِهِ يُقَاتِلُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِالْفَرَسِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ بِصَاحِبِهِ.

وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا فَضْلَ لِبَهِيمَةٍ عَلَى إنْسَانٍ وَرُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ غَنَائِمَ خَيْبَرَ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ فَارِسٍ وَأَلْفٌ وَمِائَتَا رَاجِلٍ فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمًا لِفَرَسِهِ وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا وَاحِدًا» وَوَجْهُ التَّخْرِيجِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَنَّكَ تَقُولُ الرَّجَّالَةُ اثْنَا عَشَرَ مِائَةً فَيَجْعَلُهَا اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا كُلَّ مِائَةٍ سَهْمًا وَتَقُولُ الْفُرْسَانُ ثَلَاثُمِائَةٍ فَتَجْعَلُهَا ثَلَاثَةً مِنْ الْعَدَدِ كُلُّ مِائَةٍ وَاحِدًا ثُمَّ تُضَعِّفُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمَيْنِ فَتَكُونُ سِتَّةً وَتَضُمُّهَا إلَى اثْنَيْ عَشَرَ تَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ لَلْفُرْسَانِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَلِلرَّجَّالَةِ الثُّلُثَانِ قَوْلُهُ (وَلَا يُسْهَمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ) هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُسْهِمُ لِفَرَسَيْنِ وَلَا يُسْهِمُ لِثَلَاثَةَ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى فَرَسَيْنِ أَحَدُهُمَا يَرْكَبُهُ وَالْآخَرُ يَكُونُ جَنِيبَهُ فَإِذَا أَعْيَا الَّذِي تَحْتَهُ رَكِبَ الْآخَرَ فَقَاتَلَ عَلَيْهِ وَلَهُمْ مَا رُوِيَ أَنَّ «الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ حَضَرَ يَوْمَ خَيْبَرَ بِأَفْرَاسٍ فَلَمْ يُسْهِمْ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ» وَلِأَنَّ الْقِتَالَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى فَرَسٍ وَاحِدٍ وَلَا يَكُونُ عَلَى فَرَسَيْنِ دُفْعَةً وَاحِدَةً.

قَوْلُهُ (وَالْبَرَاذِينُ وَالْعُتَّاقُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ اسْمَ الْخَيْلِ يَشْتَمِلُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَالْإِرْهَابُ مُضَافٌ إلَى جَمِيعِ جِنْسِ الْخَيْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: ٦٠] وَاسْمُ الْخَيْلِ يُطْلَقُ عَلَى الْبَرَاذِينِ وَالْعُتَّاقِ وَالْهَجِينِ وَالْمُقْرِفِ إطْلَاقًا وَاحِدًا وَلِأَنَّ الْعَتِيقَ إذَا كَانَ فِي الطَّلَبِ وَالْهَرَبِ أَقْوَى فَالْبِرْذَوْنُ أَصْبَرُ وَأَلْيَنُ عَطْفًا فَفِي كُلٍّ مِنْهُمْ مَنْفَعَةٌ فَاسْتَوَى الْبِرْذَوْنُ الَّذِي فِيهِ الدَّنَاءَةُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَالْعَتِيقُ الَّذِي لَا دَنَاءَةَ فِيهِ لَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَلَا مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ بَلْ كِلَاهُمَا عَرَبِيَّانِ وَالْهَجِينُ الَّذِي فِيهِ الدَّنَاءَةُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>