على ما عابوا به المؤمنين من الإيمان يوهم بأن يأتي بعد الاستفهام ما يجب أن ينقم على فاعله بما يذم به، فلما أتى بعد الاستفهام ما يوجب مدح فاعله كان الكلام متضمنا تأكيد المدح بما يشبه الذم. وقد عرف علماء البلاغة هذا الفنّ بأنه استثناء صفة مدح من صفة ذم، منفية عن الشيء، بتقدير دخولها في صفة الذم المنفية. ومنه قول النابغة الذبياني:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
والتأكيد فيه واضح، فذكر أداة الاستثناء وهي «غير» قبل ذكر ما بعدها بوهم إخراج شيء مما قبلها، فاذا وليتها صفة مدح جاء التأكيد. وفلول السيوف من كثرة الضراب في الحروب من مجال الفخر ودواعي الشجاعة. ومن هذا النوع أن تثبت لشيء صفة مدح، وتعقب ذلك بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى لذلك الشيء، كقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«أنا أفصح العرب بيد أني من قريش» .
فذكر أداة الاستثناء، وهي «بيد» الموازنة ل «غير» وزنا ومعنى قبل ذكر ما بعدها، ثم التعقيب بصفة مدح أخرى وهي كونه من قريش التي هي أفصح العرب، تزيد تأكيد المعنى حسنا. وقال النابغة منه:
فتى كملت أوصافه غير أنه ... جواد فما يبقي على المال باقيا