ممن القوم؟ فقال النبي: من ماء، فأخذ ذلك الرجل يفكر ويقول:
من ماء من ماء لينظر من أي بطون العرب يقال لها ماء فسار النبي لوجهته وكان قصده أن يكتم أمره وهذا من المغالطة المثلية لأنه يجوز أن يكون بعض بطون العرب يسمى ماء ويجوز أن يكون المراد أن خلقتهم من ماء وحاشى النبي أن يكذب.
[٣- توكيد الضميرين:]
وذلك في قوله تعالى «قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً» في قصة قتل الغلام وهذا بخلاف قصة السفينة فإنه قال فيها «أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً» والفرق بين الصورتين أنه أكد الضمير في الثانية دون الأولى «أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ» وقال في الثانية «أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ» وإنما جيء بذلك للزيادة في مكافحة العتاب على رفض الوصية مرة بعد مرة والوسم بعدم الصبر وهذا كما لو أتى الإنسان ما نهيته عنه فلمته وعنفته ثم أتى ذلك مرة ثانية أليس أنك تزيد في لومه وتعنيفه؟ وكذلك فعل هاهنا فإنه قيل في الملامة أولا:«أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ» ثم قيل ثانيا:
«أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ» وهذا موضع يدق عن العثور عليه بالنظرة العجيلة ولا يمكن اكتناه حسنه إلا بعد التأمل العميق وهذا فن جليل القدر، بعيد الغور، فللضمائر أسرار لا يدركها إلا الملهمون والمبدعون وهي ليست مجرد ضمائر تذكر كما ترد في كتب النحو وستأتي في كتابنا هذا صور رائعة عنه تبين مدى قدر المبين وتساميه عن الانداد.
[التوكيد بالضمائر في الشعر:]
وسنورد لك هنا الآن نماذج من التوكيد بالضمائر الوارد في الشعر تذهل العقول فمن بديع ما استظرفناه قول أبي تمام: