لا أنت أنت ولا الديار ديار ... خف الهوى وتولت الأوطار
فقوله «لا أنت أنت ولا الديار ديار» من المليح النادر لأنه هو هو والديار الديار وإنما مراده أن البواعث التي كانت تبعث على قبيل أنت منهم وأنت أنت ولو تأتى له ذلك الرأب صدع البيت، ومع ولا الديار في عينه من الحسن تلك الديار. وقد حاول أبو الطيب أن ينسج على منوال أبي تمام فأسف ولم يلحق به إذ قال:
قبيل أنت أنت وأنت منهم ... وجدك بشر الملك الهمام
فقوله «أنت أنت» من توكيد الضميرين المشار إليهما وفائدته المبالغة في مدحه ولكنه أفسد على نفسه ما أراده لأن سبك البيت عار من الحسن وفيه تقديم وتأخير أفسداه أيضا لأنه كان من حقه أن يقول:
قبيل أنت منهم وأنت أنت ولو تأتّى له ذلك الرأب صدع البيت، ومع ذلك يبقى دون بيت أبي تمام العذب الرشيق وهذا مرده الى الذوق وهو الحكم في هذا الباب.
وروى صاحب الأغاني: أن عمرو بن ربيعة قال لزياد بن الهبولة:
يا خير الفتيان أردد علي ما أخذته من إبلي فردها عليه وفيها فحلها فنازعه الفحل إلى الإبل فصرعه عمرو فقال له زياد: لو صرعتم يا بني شيبان الرجال كما تصرعون الإبل لكنتم أنتم أنتم فقال عمرو له: لقد أعطيت قليلا وسمت جليلا، وجررت على نفسك ويلا طويلا» فقوله: لكنتم أنتم أنتم، أي أنتم الأشداء أو الشجعان أو ذوو النجدة والبأس إلا أن «أنتم» الثانية تخصيصا لهم بهذه الصفة دون غيرهم كأنه قال لكنتم أنتم الشجعان دون غيرهم ولو مدحهم بأي شيء مدحهم به من وصف البأس والشدة والشجاعة لما بلغ هذه الكلمة أعني «أنتم» الثانية.