للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضيزى فإنها في موضعها لا يسدّ غيرها مسدّها، ألا ترى أن السورة كلها التي هي سورة النجم مسجوعة على حرف الياء فقال تعالى: والنجم إذا هوى، ما ضلّ صاحبكم وما غوى وكذلك إلى آخر السورة فلما ذكر الأصنام وقسمة الأولاد وما كان يزعمه الكفّار قال: ألكم الذّكر وله الأنثى تلك إذن قسمة ضيزى، فجاءت هذه اللفظة على الحرف المسجوع الذي جاءت السورة جميعها عليه وغيرها لا يسدّ مسدّها في مكانها وإذا نزلنا معك أيّها المعاند على ما تريد قلنا: إن غير هذه اللفظة أحسن منها ولكنها في هذا الموضع لا ترد ملائمة لأخواتها ولا مناسبة لأنها تكون خارجة عن حرف السورة، وسأبيّن ذلك فأقول: إذا جئنا بلفظة في معنى هذه اللفظة قلنا قسمة جائرة أو ظالمة ولا شك أن جائرة أو ظالمة أحسن من ضيزى إلا أنّا إذا نظمنا الكلام فقلنا: ألكم الذّكر وله الأنثى تلك إذن قسمة ظالمة لم يكن النظم كالنظم الأول وصار الكلام كالشيء المعوز الذي يحتاج إلى تمام وهذا لا يخفى على من له ذوق ومعرفة بنظم الكلام فلما سمع ذلك الرجل ما أوردته عليه ربا لسانه في فمه إفحاما، ولم يكن عنده في ذلك شيء سوى العناد» .

هذا ما قاله ابن الأثير وهو جيد يدل على ذوق وفهم ولكنه لا يخرج عن الحدود اللفظية، وسنذكر ما سنح للخاطر من أمر معنوي يتعلق بهذا الكلام فنقول لما كان الغرض تهجين قولهم، وتفنيد قسمتهم، والتشنيع عليها اختيرت لها لفظة مناسبة للتهجين والتشنيع كأنما أشارت خساسة اللفظة إلى خساسة أفهامهم وهذا من أعجب ما ورد في القرآن الكريم من مطابقة الألفاظ لمقتضى الحال.

[[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٢٦ الى ٣٠]]

وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>