في قوله تعالى:«إنا لنراك في ضلال مبين» وقوله: «ليس بي ضلالة» فقد جعل الضلال ظرفا والضلال ليس ظرفا يحل فيه الإنسان.
لأنه معنى من المعاني، وإنما يحل في مكانه فاستعمال الضلال في مكانه مجاز مرسل أطلق فيه الحال وأريد المحل، فعلاقته الحاليّة، وفائدته المبالغة في وصفه بالضلال وإيغاله فيه، حتى كأنه مستقر في ظلماته لا يتزحزح عنها. وزادوا في المبالغة بأن أكدوا ذلك بأن صدّروا الجملة بأن وزادوا اللام في خبرها.
٢- نفي الأخصّ والأعمّ:
وأردف ذلك بقوله:«ليس بي ضلالة» للإطاحة بما زعموه، وتفنيد ما توهموه، وهو من أحسن الرد وأبلغه وأفلجه للخصم، لأنه نفى أن تلتبس به ضلالة واحدة، فضلا عن أن يحيط به الضلال، فلم يقل: ضلال، كما قالوا، كما يقتضيه السياق. وقد توثّب خيال الزمخشري فقرر أن الضلالة أخص من الضلال، فكانت أبلغ في نفي الضلال عن نفسه، كأنه قال: ليس بي شيء من الضلال، كما لو قيل لك: ألك تمر؟ فقلت: مالي ثمرة. ولكن الزمخشري غفل عن نقطة هامة جدا في هذا البحث العظيم، لأن نفي الأخص أعم من نفي الأعم، فلا يستلزمه ضرورة أن الأعم لا يستلزم الأخص، بخلاف العكس، ألا ترى أنك إذا قلت: هذا ليس بإنسان، لم يستلزم ذلك أن لا يكون حيوانا، ولو قلت: هذا ليس بحيوان، لاستلزم أن لا يكون إنسانا.