وقد تقدم القول فيه وهو بالاضافة الى ما فيه من البلاغة ينطوي على نكت دقيقة في استدراج الخصم واضطراره الى الإذعان والتسليم فقد شاء السحرة في بادئ الأمر استدراج موسى ثقة منهم بأنهم فائزون عليه وكأنما ألهمهم الله حسن الأدب مع موسى في تخييره وإعطائه النصفة من أنفسهم عند ما قالوا «فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً» ففوضوا ضرب الموعد اليه ولكن موسى استدرجهم بإلهام من الله عز وجل أن يجعل موعدهم يوم زينتهم وعيدهم ليكون الحق أبلج على رؤوس الأشهاد فيكون أفضح لكيدهم وأهتك لسترهم ولما استدرجوه الى التخيير في الإلقاء أيكون هو البادئ أم يكونون هم البادئين استدرجهم هو إلى أن يجعلهم مبتدئين بما معهم ليكون القاؤه العصا بعد قذفا بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق فما أروع هذا الكلام.
[٢- فن توكيد الضميرين،]
وقد تتساءل وما علاقة البحث النحوي بالبلاغة؟ والضمائر وتوكيد بعضها لبعض مذكورة في كتب النحو ونقول ان المسألة أجلّ وأسمى من النحو، والنحاة بمعزل عن هذا الفن الرفيع ونعني بتوكيد الضميرين أن يؤكد المتصل بالمنفصل كقولك إنك أنت أو يؤكد المنفصل بمنفصل مثله كقولك أنت أنت أو يؤكد المتصل بمتصل مثله كقولك إنك إنك لعالم وانما يؤتى بمثل ذلك في معرض المبالغة وهو من أسرار علم البيان ومن ذلك قوله تعالى «قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ» فإن إرادة السحرة