٢- الكلام الموجه لأن المعنى إما أن يفهم منه شيء واحد لا يحتمل غيره وإما أن يحتمل منه الشيء وغيره، وتلك الغيرية إما أن تكون ضدا أو لا، وهذه الآية احتملت معنيين متغايرين، وتلك الغيرية ضد إذا احتملت رؤية الكثرة أن تكون للمسلمين أو للمشركين في وقت واحد، وليس هناك ما يرجح واحدا على الآخر لأن كلا منهما يصح إطلاقه في الآية. وقد ورد في الحديث من التوجيه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» وهذا يشتمل على معنيين متضادين أحدهما إن المراد به إذا لم تفعل فعلا تستحي منه فاصنع ما شئت، والآخر: أن المراد به إذا لم يكن لك حياء يزعك عن فعل ما يستحيا منه فافعل ما شئت. وهذان معنيان ضدان، أحدهما مدح والآخر ذمّ.
[المتنبي والكلام الموجه]
وقد رمق أبو الطيب المتنبي هذه السماء العالية واستغلها في مدائحه لكافور، حاكم الأخشيد في مصر، فقد كان مضطرا إلى مجاملته لتفادي المكروه إن جابهه بما يكنه من احتقار، فجنح إليه في أماديح ليكون ظاهرها المديح وباطنها الهجاء، فمن ذلك قوله فيه:
وأظلم أهل الظلم من بات حاسدا ... لمن في نعمائه يتقلب
وهذا البيت يحتمل معنيين ضدين أحدهما أن المنعم عليه يحسد المنعم، فيكون مدحا. وكذلك أورده ليوهم كافورا أنه يريد ذلك.
وثانيهما أن المنعم يحسد المنعم عليه ليقرر حقيقة رسخت في هذا المخلوق الذي قذفت به المقادير ليكون ملكا فهو ينعم على الآخرين ثم ما يلبث أن يحسدهم على ما نالوه من نعمائه. وهذا من أعجب ما اتفق