لم تستطع أن تغير حناجرها وألسنتها وشفاهها لتقرأ القرآن كما كان يتلوه النبي وعشيرته من قريش فقرأته كما كانت تتكلم فأمالت حيث لم تكن تميل، وقصرت حيث لم تكن تقصر وسكنت حيث لم تكن تسكن وأدغمت أو أخفت أو نقلت حيث لم تكن تدغم ولا تخفي ولا تنقل.
[وقفة لا بد منها:]
وهنا وقفة لا بد منها ذلك أن قوما من رجال الدين فهموا أن هذه القراءات السبع متواترة عن النبي نزل بها جبريل على قلبه فمنكرها كافر في غير شك ولا ريبة ولم يوفقوا الى دليل يستدلون به على ما يقولون سوى ما روي في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف، والحق أن هذه القراءات السبع ليست من الوحي في قليل ولا كثير وليس منكرها كافرا ولا فاسقا ولا مغتمزا في دينه وإنما قراءات مصدرها اللهجات واختلافها، للناس أن يجادلوا فيها وأن ينكروا بعضها ويقبلوا بعضها وقد جادلوا فيها بالفعل وتماروا وخطأ فيها بعضهم بعضا ولم نعرف أن أحدا من المسلمين كفّر أحدا لشيء من هذا، وليست هذا القراءات بالأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها وانما هي شيء وهذه الأحرف شيء آخر فالأحرف جمع حرف والحرف: اللغة فمعنى أنزل القرآن على سبعة أحرف أنه أنزل على سبع لغات مختلفة في لفظها ومادتها يفسر ذلك قول ابن مسعود: إنما هو كقولك هلم وتعال وأقبل ويفسر ذلك قول أنس في الآية: «إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا» أصوب وأقوم وأهدى واحد ويفسر ذلك قراءة ابن مسعود «ما ينظرون إلا زقية واحدة» مكان «ما ينظرون إلا صيحة واحدة» .