وخير خبر وثوابا تمييز وخير عقبا عطف على خير ثوابا وعقبا بمعنى عاقبة.
[البلاغة:]
حفلت هذه الآية بأفانين متعددة من فنون البلاغة وهذا هو التفصيل:
[١- التتميم والاحتراس والكناية:]
التتميم أو التمام وقد تقدم بحثه مستوفى في سورة البقرة عند قوله تعالى:«أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب» الآية وهو هنا في وصف الجنتين فإن قوله تعالى «واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين» يحتمل أن تكون الجنتان مجرد اجتماع شجر متكانف يستر بظل غصونه الأرض كما تقتضيه الدلالة اللغوية على معنى الجنة أو يكون النفع منها ضئيلا كشجر الأثل والخمط ونحوهما فيكون أسفه عليها أقل من أن تكون الجنتان من نخيل وأعناب ينتفع بما تثمرانه عليه ثم تمم ذلك أيضا بقوله «وجعلنا بينهما زرعا» لئلا يتوهم أن الانتفاع قاصر على النخيل والأعناب ولتكون كل من الجنتين جامعة للأقوات والفواكه متواصلة العمار على الشكل الحسن والترتيب الأنيق ثم تمم ذلك بقوله «وفجرنا خلالهما نهرا» للدلالة على ديمومة الانتفاع بهما فإن الماء هو سر الحياة وعامل النمو الاول في النباتات وإذن فقد استكمل هذا الرجل كل الملاذّ واستوفى ضروب النعم، ثم تمم ذلك بقوله «كلتا الجنتين آتت آكلها» لاستحضار الصورة التامة للانتفاع بالموارد واحترس بقوله «ولم تظلم منه شيئا» من أن يكون ... ... اب القرآن وبيانه، ج ٥، ص: ٦٠٥
ثمة نقص في الأكل الذي آتته وليكون كناية عن تمام الجنتين ونموهما دائما وأبدا وانهما ليستا على عادة الأشجار حيث يتم ثمرها فتؤتيه ببعض السنين دون بعض أو تأتي بالثمر ناقصا عاما بعد عام فهي فيّاضة المورد في كل حين فقد استوفى وصف الجنتين هذه الفنون الثلاثة جميعا.
٢- اللف والنشر المشوش:
وذلك في قوله تعالى:«فقال لصاحبه وهو يحاوره» الآية وحاصل ما قاله هذا الكافر ثلاث مقالات شنيعة وهي: ١- أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا، ٢- عند ما دخل جنته متكبرا مزهوا ظالما لنفسه قال وقد رنحه الغرور «ما أظن أن تبيد هذه أبدا» ، ٣- والثالثة:
بادئا بالآخرة لأنها الأهم قائلا «أكفرت بالذي خلقك» وثنى بالثانية ناصحا لأنها تأتي في المرتبة بعدها فقال: «ولولا إذا دخلت جنتك» إلخ وثلث بالأولى مقرعا فقال «فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك» فهو لف ونشر مشوش وقد تقدم ذكره.
٣- عودة الى التتميم والكناية:
ثم عاد الى التتميم فصور الاطاحة بالجنتين وبالثمر معا فقال «وأحيط بثمره» ثم وصف حالته فقال «فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها» وتقليب الكفين كناية عن الندم والتحسر لأن النادم يقلب كفيه ظهرا لبطن كما كنى عن ذلك بعض الأنامل والسقوط في اليد.