أي البعيدة، «والركب أسفل منكم» لأن سيف البحر في غور، وبدر في نجد بالنسبة إليه، وأراد أن يخبر عن وقوع اللقاء بغير ميعاد، وعدل عن لفظ المعنى الى لفظ الارداف فلم يقل فالتقوا من غير ميعاد، بل قال:«ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد» لخروج لفظ الإرداف مخرج المثل ليكون أسير وأشهر ولو وقع الاقتصار على هذا المقدار لاحتمل أن يقال: فما الحكمة في حرمان الله رسوله والمسلمين هذه الغنيمة الباردة لأجل منها. وهي فتح مكة واستئصال أموال أهلها، فإن اختياره لهم لقاء النفير دون العير ليقتل حماة مكة وصناديدها فيتمكن المسلمون من فتحها وكذلك كان، وقد كان مراد المسلمين لقاء العير دون النفير بدليل إخباره سبحانه عنهم بذلك في قوله:
«ويودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم» يعني العير، فإن ذات الشوكة: النفير، لأن الشوكة السلاح، فأرادوا هم ذلك، وأراد الله خلافه لعلمه بالعواقب، فأوقع اللقاء من غير ميعاد لهذه المصلحة، وأخرج الإخبار به مخرج المثل لما بينّا من فائدة ذلك، ثم قوى دليل الكلام بذكر العلة في تقويت تلك المصلحة الظاهرة، حيث قال بلفظ الاستدراك:«ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا» ، ثم فصل ما أجمله في الاستدراك بقوله:«لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» ، فاتضح الإشكال، وارتفع ما قدر من الاحتمال وأبان عن المعنى أحسن بيان، فحصل في هذه الكلمات أربعة عشر نوعا من البلاغة وهي: الإيجاز، والترشيح، والإرداف، والتمثيل، والمقارنة، والاستدراك، والإدماج، والإيضاح، والتهذيب، والتعليل، والتنكيت، والمساواة، وحسن النسق، وحسن البيان.