جميع الماكرين المبطلين المدبرين للمكايد والمؤامرات والذين يحاولون إيقاع الضرر والمكر بالمؤمنين ونصب الشباك لهم بحال قوم بنوا بنيانا شامخا ودعموه بأساطين البناء وقواعده فطاح البنيان من الأساطين نفسها بأن وهنت ولم تقو على إمساك ما أقيم عليها فتهدم السقف وهوى عليها.
هذا وقد ذكر علماء البلاغة ان للتمثيل مظهرين أحدهما أن يظهر المعنى ابتداء في صورة التمثيل وثانيهما ما يجيء في أعقاب المعاني لإيضاحها وتقريرها في النفوس وهو على الحالين يكسو المعاني أبهة ويرفع من أقدارها ويضاعف قواها في تحريك النفوس لها ودعوة القلوب إليها. تأمل قول أبي الطيب:
ومن يك ذا فم مر مريض ... يجد مرا به الماء الزلالا
لو كان عبر عن المعنى بقوله مثلا: ان الجاهل لمفاسد الطبع يتصور المعنى بغير صورته ويخيل اليه في الصواب انه خطأ فهل كنت تجد هذه الروعة؟ وهل كان يبلغ من التهجين للجاهل والكشف عن نقصه ما بلغ التمثيل في البيت؟ ومهما بالغت في تصوير المؤامرات المبطلة يدبرها المبطلون، ويحوكونها من خلف ستار حتى إذا خيل لهم انها قد أحكمت واستطاعت أن توقع الخصوم في شراكها إذا بها تحبط فجأة فهل يبلغ ذلك من نفسك مبلغ مشهد البناء وقد تطاول وتسامق وتشامخ وأحكمه بانيه إحكاما خيل اليه معه أنه ضمن له الخلود فما عتم أن تزلزلت منه أواخيه وصياصيه وانهار بمن وعلى من فيه وفيما يلي طائفة من أبيات التمثيل لتقيس عليها:
قال ابن لنكك يهجو قوما حسنت مناظرهم وقبحت مخابرهم.