ايضا أن يكون معك مفعول معلوم مقصود قد علم انه ليس للفعل الذي ذكرت مفعول سواه بدليل الحال أو ما سبق من الكلام إلا أنك تطرحه وتتناساه لكي تتوفر العناية على إثبات الفعل للفاعل وتخلص له وتنصرف بجملتها اليه، قال طفيل الغنوي في بني جعفر بن كلاب:
جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت ... بنا نعلنا في الواطئين فزلت
أبو أن يملونا ولو أن أمّنا ... تلاقي الذي يلقون منا لملّت
هم خلطونا بالنفوس وألجئوا ... إلى حجرات أدفأت وأظلت
حذف المفعول في أربعة مواضع هي «لملت» و «ألجئوا» و «أدفأت» و «أظلت» لأن الأصل لملتنا وألجئونا الى حجرات أدفأتنا وأظلتنا وقول الشاعر «ولو أن أمنا تلاقي الذي لا قوه منا لملت» يتضمن أن ما لا قوه منا قد بلغ من القوة الى أن يجعل كل أم تملّ وتسأم وان المشقّة بلغت من ذلك حدا يجعل الأم له تمل الابن وتتبرم به مع ما في طباع الأمهات من الصبر على المكاره في مصالح الأولاد وذلك انه وإن قال «أمنا» فإن المعنى على أن ذلك حكم كل أم مع أولادها ولو قال لملتنا لم يصلح لأنه يراد به معنى العموم وان بحيث يملّ كل أم من كل ابن، ومن ذلك حذف المفعول بعد فعل المشيئة كقوله:
لو شئت لم تفسد سماحة حاتم ... كرما ولم تهدم مآثر خالد
والأصل: لو شئت أن تفسد سماحة حاتم لم تفسدها ثم حذف ذلك من الأول استغناء بدلالة في الثاني عليه ثم هو على ما تراه من الحسن والغرابة لأن الواجب في حكم البلاغة أن لا ينطق بالمحذوف