وقال عبد الصمد- وهو محسن عند من يطعن على أبي تمام:
أي ماء لماء وجهك يبقى ... بعد ذل الهوى وذل السؤال
فصير لماء الوجه ماء، وقالوا ماء الشباب يجول في وجناته، فما يكون أن استعار أبو تمام من هذا كله حرفا فجاء به في صدر بيته لما قال في آخر بيته:«فانني صب قد استعذبت ماء بكائي» قال في أوله:
لا تسقني ماء الملام، وقد تحمل العرب اللفظ على اللفظ فيما لا يستوي معناه قال الله عز وجل:«وجزاء سيئة سيئة مثلها» والسيئة الثانية ليست بسيئة لأنها مجازاة ولكنه لما قال: وجزاء سيئة قال: سيئة فحمل على اللفظ وكذلك «ومكروا ومكر الله» وكذلك: «فبشرهم بعذاب أليم» لما قال بشر هؤلاء بالجنة قال: بشر هؤلاء بالعذاب، والبشارة انما تكون في الخير لا في الشر فحمل اللفظ على اللفظ ويقال: إنما قيل لها البشارة لأنها تبسط الوجه فأما الشر والكراهة فانهما يقبضانه، وقال الأعشى:
يزيد بغضّ الطرف دوني كأنما ... زوى بين عينيه عليّ المحاجم
وقال الله عز وجل:«واخفض لهما جناح الذل من الرحمة» فهذه أجمل استعارة وأحسنها وكلام العرب جاء عليها فما يكون أن قال أبو تمام:
لا تسقني ماء الملام فإنني ... صب قد استعذبت ماء بكائي