بحشره فوافى الحرم وأقام به ما شاء وكان يقرب كلّ يوم طول مقامه خمسة آلاف ناقة وخمسة آلاف بقرة وعشرين ألف شاة، ثم عزم على السير الى اليمن فخرج من مكة صباحا يؤم سهيلا فوافى صنعاء وقت الزوال فرأى أرضا حسناء تزهو خضرتها فنزل ليتغدى ويصلي فلم يجدوا الماء وكان الهدهد قناقنه أي دليله الهادي وكان يرى الماء تحت الأرض كما يرى الماء في الزجاجة فتفقده لذلك، وحين نزل سليمان حلق الهدهد فرأى هدهدا آخر واقعا فانحط اليه فوصف له ملك سليمان وما سخر له من كل شيء وذكر له صاحبه ملك بلقيس وأن تحت يدها اثني عشر ألف قائد وتحت كل قائد مائة ألف وذهب معه لينظر فما رجع إلا بعد العصر وذكر أنه وقعت نفحة من الشمس على رأس سليمان فنظر فإذا موضع الهدهد خال فدعا عريف الطير وهو النسر فسأله عنه فلم يجد عنده علمه ثم قال لسيد الطير وهو العقاب عليّ به فارتفع العقاب في الهواء حتى نظر الى الدنيا كالقصعة ثم التفت يمينا وشمالا فرأى الهدهد مقبلا فانقضّ العقاب يريده وعلم الهدهد أن العقاب يقصده بسوء فقال بحق الذي قواك وأقدرك إلا ما رحمتني فتركه وقال ويلك ثكلتك أمك، إن نبيّ الله قد حلف ليعذبنك قال:
وما استثنى نبي الله؟ قال بلى قال: أو ليأتيني بسلطان مبين فقال:
نجوت إذن، فلما قرب من سليمان أرخى ذنبه وجناحيه يجرها على الأرض متواضعا لسليمان فلما دنا منه أخذ برأسه فمدّه اليه فقال:
يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله فارتعد سليمان وعفا عنه ثم سأله ما الذي أبطأك عني فقال الهدهد: أحطت بما لم تحط به إلخ ...
نكتة بيانية:
قال الزمخشري: «فإن قلت قد حلف على أحد ثلاثة أشياء فحلفه