والسر في جعل سبب السبب سبا وعطف السبب الأصلي عليه أمران: أحدهما أن مزيد العناية يوجب التقديم وهذا هو السر الذي أبداه سيبويه والثاني أن في هذا النظم تنبيها على سببية كل واحد منهما، أما الاول فلاقترانه بحرف التعليل وهو أن وأما الثاني فلاقترانه بفاء السبب، وكان بعض النحاة يورد إشكالا بهذه الآية فيقول «لولا» عند أهل الفن تدل على امتناع جوابها لوجو ما بعدها وحينئذ يكون الواقع بعدها في الآية موجودا وهو عقوبة هؤلاء المذكورين بتقدير عدم بعثة الرسل وجوابها المحذوف غير واقع وهو عدم الإرسال لأنه ممتنع بالأولى. ومتى لم يقع عدم الإرسال كان الإرسال واقعا ضرورة فيشكل الواقع بعدها إذ لا ظلم قبل بعثة الرسل فلا تتصور العقوبة بتقدير عدم البعثة وذلك لأنها واقعة جزاء على مخالفة أحكام الشرع فإن لم يكن شرع فلا مخالفة ولا عقوبة، ويشكل الجواب على النحاة لأنه يلزم أن لا يكون واقعا وهو عدم بعثة الرسل لكن الواقع بعدها يقتضي وقوعه والتحرير في معنى لولا أنها تدل على أن ما بعدها مانع من جوابها عكس «لو» فإن معناها لزوم جوابها لما بعدها ثم المانع قد يكون موجودا وقد يكون مفروضا والآية من قبيل فرض وجود المانع وكذلك اللزوم في «لو» قد يكون الشيء الواحد لازما لشيئين فلا يلزم نفيه من نفي أحد ملزوميه وعلى هذا التحرير يزول الاشكال.
(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) الفاء عاطفة ولما حينية أو رابطة وجاءهم الحق فعل ماض ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر ومن عندنا متعلقان بجاءهم وجملة قالوا لا محل لها لأنها جواب لما ولولا حرف تحضيض أي هلا وأوتي